الأربعاء، 20 مايو 2009

وجئتكم من درنة بنبأ يقين

( جانب من الحضور وتظهر 1- حواء القمودي 2- عاشور بوشوق وآخرون )
مهرجان إيراهيم الأسطى عمر الأول للفكر والفنون الذي نظمته جمعية بيت درنة الثقافي .. هذا الحدث الذي أثار عواصف وزوابع على الساحة الثقافية الليبية حتى قبل أن يبدأ .. صراع المؤسسة الرسمية للثقافة التي تفرض نفسها راعياً أوحداً ( لا شريك له ) للحراك الثقافي ، ومؤسسات المجتمع المدني والعمل الأهلي - ممثلة في بيت درنة الثقافي - والتي تناضل للحصول على دور في ذات الحراك .. مقالة نارية تنعت بأوصاف ومضامين واتهامات التخوين والعمالة والتسويق لأجندات خارجية كل القائمين على تنظيم المهرجان نشرت في صحيفة الشمس - الرسمية - تستبق المهرجان بأيام دون أن تحمل اسم كاتبها .. وردود لا تخلو من الحدة والجرأة وردت في مواقع ألكترونية ليبية على ألسنة وأقلام بعض أولئك المنظمين للمهرجان .. ونقطة الخلاف هي اشتراط المؤسسة العامة للثقافة لكي تنفق على المهرجان استثناء جزء من أنشطة المهرجان وهو ندوة عن دور مؤسسات المجتمع المدني ، مما دفع بالمنظمين للبحث عن تمويل من غير تلك المؤسسة - وهو الذي حدث - فكان الذي كان من هذا اللغط ..
في الواقع كنت أنوي حضور فعاليات المهرجان منذ البداية .. ولكن وبعد هذا الشد والجذب أصبح حضوري للمهرجان أمراً ملحاً أكثر وأكثر .. إنه الفضول للإطلاع عن كثب .. شحنت "كاميرتي" الرقمية الصغيرة وجهاز الكمبيوتر المحمول وحزمت حقيبة الظهر وتوجهت إلى هناك .. إلى درنة
( 1- سالم العوكلي 2- هشام الشلوي 3- أحمد الفيتوري )
لم أجد هناك شيئاً غير اعتيادي .. أصبت بالخيبة إلى حد ما .. لا أدري .. ربما لأنني كنت أتوقع أن الأحداث ستكون أكثر دراماتيكية .. هكذا .. تتوقع الإثارة فتتفاجأ بالعكس .. ربما ترون شيئاً من السطحية في هذا الطرح .. لكنني كنت صريحاً معكم في وصف ما شعرت به .. أحياناً يطفو على السطح سلوك الأطفال في داخلنا .. هذا هو الواقع .

( 1- عبدالقادر الدرسي 2- سالم بن زابيه )
مهرجان عادي وبسيط وجميل في مراسمه وأماكن مناشطه .. أما المناشط ذاتها فهي لا تختلف عن مثيلاتها المعهودة في بقية المهرجانات والمحافل الثقافية الأخرى في ليبيا .. أمسيات شعرية ، قراءات نقدية ، عروض مسرحية ، معارض فنية لصور ولوحات ، وشخصية للمهرجان ( الأستاذة الراحلة المربية فتحية عاشور ) .. حتى ندوة مؤسسات العمل المدني التي قامت الدنيا من أجلها ولم تقعد لم تأت بجديد - من وجهة نظري على الأقل - يضاف إلى ما عندنا حول موضوعها .. المميز حقاً وفعلاً في هذا المهرجان كان هو لطف وكرم ( الدراونة ) .
( 1- عبدالله الشلماني 2- محمد الشلطامي )
تنظيم رائع تلفه وتدثره الحميمية إلى حد كبير .. لم أكن مدعواً رسمياً .. فأنا وكما تعرفون ( راقد ريح ) .. لكنني أصررت أن أسافر إلى درنة وأسكن وآكل وأتنقل على نفقتي الخاصة .. وقد كنت سعيداً بذلك برغم ( رقادة الريح ) .. لكن ما آلمني وجرحني في العمق هو تجاهل بعض من كنت أظنهم أصدقاء لوجودي .. لا ألومهم بل وألتمس لهم العذر .. ربما اعتقدوا أنني سأتطفل عليهم وأتملقهم لأحصل على غداء مجاني أو مبيت بالفنادق المخصصة لهم .. وللأمانة أقول : هم قلة .. أقل من أصابع اليد الواحدة " التي بترت منها ثلاثة أصابع " .. أخذتني الكبرياء إلى مكان قصي من العزلة عنهم .. تجاهلتهم بدوري .. قلت في نفسي ( عزّ نفسك يعزّها الله ) ..

( 1- علي أحمد سالم 2- أحمد يوسف عقيلة )
أجمل ما في هذه الملتقيات هو اكتساب الأصدقاء الجدد ( بدل من نفقدهم على الأقل ) .. تعرفت على كثيرين وتعرفوا هم عليّ .. تبادلنا العناوين والهواتف .. تناقشنا وتطارحنا الكثير من قضايا الوطن وهموم الفكر والثقافة والأدب .. تلاقحت أفكارنا وتمازجت فعدنا إلى بيوتنا بتجربة وبخبرة أكثر عمقاً ..

( الشلماني يصافح بوشوق في طريق مغادرته للمكان )
قلت لكم في البداية أنني لم ألاحظ شيئاً غير اعتيادي .. لكنني أعترف أن المهرجان حدث أتمنى تكراره في درنة وفي بقية مدننا وقرانا الرائعة على امتداد تراب هذا الوطن .. لأنه نوع من إيجاد وعي وحس بالإنتماء لدى الناس .. نوع من خلق الذائقة الجمالية عند النشء .. ترسيخ واقعي وعملي لمفهوم الثقافة والفكر والمعرفة والفن في ذاكرة ووجدان المجتمع .

( 1- علي الربيعي 2- أمين مازن . ويظهر في الخلفية : فوزي بن كاطو )
هناك أمر آخر لاحظته لا يقل مرارة عن تجاهل من كنا نظن لوهلة أنهم أصدقاء .. إنه التعالي والعجرفة عند البعض الآخر ممن حسبنا يوماً أنهم كبار .. سبحان الله .. كم تتهاوى القامات السامقة عند انزلاقها في هوة التكبّر .. قرأنا لهم فأحببناهم من كل قلوبنا .. التقيناهم فنزلوا في أعيننا من علياء سمو المحبة إلى حضيض قعر الإزدراء .. ليتني بقيت قارئاً لهم وحسب .. ليتني لم ألتقهم .. بل الأصح أن أقول : ليتهم لم يكونوا كذلك .. ترى هل خلقت أيها الأديب من طينة غير التي خلق منها ( آدم ) ؟ .. أبلغت شأواً في المعرفة يدفعك لعدم مخالطة الدهماء كي لا تصيبك عدوى جهلهم ؟ .. أم تراك صرت أكبر من الوطن وأهله ؟ .. ( اللهم لا تجعلني منهم ) ..
( حفل الإختتام 1- أمين مازن 2- راشد الزبير السنوسي 3- أحمد الغزواني . وآخرون )
تلاحظون أنني لم أتناول بشكل متخصص أياً من نشاطات المهرجان .. لم أسجل لكم انطباعات عن لوحة أو صورة .. لم أورد قراءة في قصيدة أو أدلي برأي في موضوع نقاش فكري أو عرض مسرحي .. ربما ستجدون ضالتكم بهذا الخصوص في أماكن ومواقع أخرى أكثر دقة وتخصصاً وأوسع مساحة .. كل ما أردت أن أفعله هنا هو أن آخذكم إلى هناك .. إلى درنة .. أن أفتح لكم نافذة صغيرة تطلون من خلالها على الحدث من زاوية مختلفة .

( مدخل بيت درنة الثقافي .. مبنى كنيسة إيطالية بمدينة درنة القديمة )

منذ أن بدأت بالإحتكاك بالملتقيات والمحافل الفكرية والثقافية في بلادنا منذ فترة ، وأنا أتفاجأ في كل مرة بأمر يصدمني .. إما سلباً أو إيجاباً .. لكنني اكتسب في كل مرة المزيد من المعرفة والخبرة كما قلت آنفاً .. أستطعت أن أكون إلماماً كافياً بالتركيبة المعقدة ( لإثنوغرافيا ) الثقافة في بلدي إن جاز التعبير .. هل تعلمون أن المثقفين عندنا " أقصد أغلبهم " ينتمون لإثنيات وعصبيات ونعرات متباينة ومتشاكسة ولكنها فكرية وليست عرقية ؟ .. في مهرجان الأسطى الأول بدرنة أيضاً تجلت تناقضات ومشاكسات هذه التركيبة المعقدة .. حتى بين مثقفي درنة أنفسهم .. نصفهم غاب عن المهرجان احتجاجاً على النصف الآخر الحاضر .. ومع ذلك يبقى مهرجان درنة موعداً للفرح نتمنى أن نرى نسخته الثانية في العام المقبل .. إستمعنا إلى قصائد رقيقة .. تناقشنا في قضايا هامة .. شاهدنا ألواناً زاهية ولوحات وصوراً رائعة وعروضاً محترمة .. التقينا .. وذلك هو المهم .


( في داخل البيت الثقافي . والشلماني وبن زابيه في آخر الصورة )

رجعت لبيتنا وفرّغت الصور على الحاسوب وأعطيتكم عينة منها .. أتمنى أن تعجبكم .. حاولت أن أتجول بكم هناك .. لعلي أكون قد وفقت ولو قليلاً .. أعرف أن معظم ثرثرتي السابقة كانت انطباعات شخصية ومشاعر خاصة .. لكنها تظل جزءاً من الحدث .. أليس كذلك ؟

إلى اللقاء قريباً ..

هناك 11 تعليقًا:

  1. أخي عبد الله..

    هذه مهمة المدونات الأخبارية

    الخبر اليقين

    ضربة موفقة تغطية شاملة لم اشهد لها مثيل على المواقع بخصوص الحدث


    احترامي

    ردحذف
  2. شكراً غيداء ..
    لأنني أعرف أنكم متشوقون لمعرفة ما حدث نقلت لكم رؤيتي المتواضعة .
    سعيد أنا بإشراككم معي فيما شاهدته وعاينته .
    أخوك ..

    ردحذف
  3. تغطية شاملة ورائعة احيك استاذ عبد الله عليها


    شدني جدا بيت درنة الثقافي رائع جميل مميز شكله المعماري جذبني جدااااا

    ردحذف
  4. صراحة تابعت هذا المهرجان في عددا من المواقع الاخبارية الليبية وبحق كانت تغطيتك اكثر تميزا .. وفقك الله وزادك همة

    تابع قصة الخنزير النافق بمدونتي

    تحياتي

    ردحذف
  5. السلام عليكم
    اشكر على تغطيتك لهذا المهرجان.
    أما عن ما يتعلق بشعور المثقفين بالتعالي والغرور، وهذا الشعور يسلبهم جوهر ثقافتهم ويصبحون مجرد شكل بلا مضمون وكتاب بلا رسالة..
    يجب ان يكون للمثقفين رسالة يستطيعوا من خلالها ان يوصلون افكارهم البناءة الى الناس.. ان بعض المثقفين يخاطب انفسهم فقط وهذا خطأ كبير جدا، فالمثقف هو الشخص المفكر الذي يستطيع ان يرتبط مع الناس ويوصل افكاره اليهم... و احترامهم لهم بدون تعالي و تكبر.
    شكرا لك أستاذي الكريم

    ردحذف
  6. منور ياسيد عبدالله لكن عندي عليك لومة بسيط ماتنسي شعار خوتك الدرسي القومي علي موقعك .
    مرحبا <
    عبدالقادر الدرسي . طرابلس

    ردحذف
  7. مرحباً بأخي عبد القادر ..
    الرجل الذي وفر لي المبيت في درنة ..
    أخي العزيز ..
    تأكد أنني في أقرب فرصة سأعالج موضوع الشعار القومي في مقالة منفردة ..
    تحياتي لك وللأسرة الكريمة ..
    أخوك / عبدالله الشلماني

    ردحذف
  8. عزيزي ..
    ايها الرائع عبدالله
    دائماً كنت أراك موهبة جديرة بالتميز
    وأهمس لك انت أفضل مئات المرات من الأشباه الذين يملؤون الساحة
    تغطية جميلة
    لاتبتأس فالثقافة في ليبيا يسئ لها أشخاص
    والخير موجود في الغالبية العظمى من المثقفين
    فالجميع حسب معرفتي المتواضعة بهم
    يعشقون هذا البلد الجميل ليبيا
    كن عند ظني فيك
    أيها الرائع
    عبدالباسط أبوبكر محمد

    ردحذف
  9. عزيزي وحبيبي عبدالباسط أبوبكر ..
    مرحباً بك في أرشيف الزمن ..
    أتمنى أن أكون عند ظنك بي دائماً ..
    وأتمنى أن أن ينطبق عليّ وصفك الجميل لي بالتميز ..
    سعيد بمرورك من هنا أيها الرائع ..
    وسعيد بصداقتنا وأخوّتنا ..
    لا تنس أن أن تقبّل بالنيابة عني جبين ( ليبيا ) الحبيبة .. ابنتك ..
    ودي واحترامي ..
    أخوك ..

    ردحذف