ما أشبه مانمر به اليوم بما مرت به ذات يوم دول وممالك ، فأحسنت استثماره فصارت به اليوم في قمم النجاح . إنها دقائق وساعات نحياها هذه الآونة ربما غفلنا عن أنها من الإبريز بل ربما أثمن وأغلى. دقائق يكتب فيها تاريخ أمتنا من جديد . دقائق نتنسم فيها أريج رياح التغيير إلى الأفضل ، وتتحول عبرها حياتنا من طور إلى طور . من طور الغبن والجهل والنكوص ، إلى طور العدل والتمكين والسؤدد . ولو أن عاقلاً نظر اليوم بعين البصيرة فيمن ساد الأرض وانقادت له الدنيا من هذه الدول ، لوجد أن نهضتها وعلياءها نبتت من ركام الحرب وأنقاضها ، وأن تقدمها الذي يبهرنا إنما تكشّف عنه غبار المعارك الذي رأينا مثله في معركتنا مع الطغاة . لذا وجب علينا نحن الليبيين أن نشمّر عن ساعد الجد ، فإن تغيير الدنيا بأسرها إنما يبدأ من الذات . وأستاذية هذا العالم إنما مهدها الروح المتوثبة للعلا وإرادة النجاح . ألم نر كيف فعل الألمان واليابانيون ؟ ألا نتعظ ونتعلم من نموذج الماليزيين والأتراك ؟ والشواهد والأمثلة سوى هذا كثير . إن ليبيا التي نصبو إليها لن تبنيها الأحلام والأماني . ولن يرفع بنيانها شكوى المتذمرين أو نقد المتحذلقين . ولن يشد أركانها أن نعوّل على حكومة تعمل أو برلمان يراقب . لكن بناءها سيتم ونهضتها ستولد ببناء أنفسنا نحن الليبيين والليبيات . ستولد إذا اطّرحنا ثقافة السلبية والإحباط . ستولد حينما نتيقّن أن جيلنا الناشئ هم بناة غدنا ، فلنبنهم نحن على طراز الغد الذي إليه نصبو . ستولد إذا ولدت في ذواتنا رغبة التميّز وسمة المبادرة . المبادرة إلى العمل . المبادرة إلى تطوير قدراتنا ، وتنمية مهاراتنا . ستولد نهضتنا إذا ضاعفنا ساعات القراءة والمطالعة على حساب ساعات النوم ولعب الورق ومشاهدة المسلسلات . ستولد حين نجعل جزءاً من أوقاتنا لعمل تطوعي أو برنامج خيري لا ننتظر لقاء إنجازه أجرة من أحد خلا الله . حين نعلم أن نجاح حكومتنا وبرلماننا هو بدعمنا نحن له ، قبل أن يكون بمدى ما سيحققه لنا من مكاسب ومغانم . ولا ييأسنّ أحد من سلبيات المرحلة الراهنة ومشكلاتها ، فإن هذه هي طبيعة الثورات في بواكير أوقاتها . لا سيما وأن ثورتنا المباركة انبثقت من تحت ركام أربعة عقود من الجور والفساد والتخبط واللانظام . أيها الأحبة .. إن ثورتنا قد نجحت .. نعم نجحت .. وقارنوا لكي تتأكدوا من ذلك ، بين ما كنتم صورتموه بهواتفكم النقالة من مشاهد إبان أيام الثورة الأولى ، لما كانت القلوب لدى الحناجر وتظنون بالله الظنونا ، لما كنا لا نعرف الاتجاه الذي ستأتي منه الرصاصة صوب صدورنا ، وبين ما نحن فيه اليوم حين نتحدث في أبجديات نهضتنا وأساليب البناء . أليس هذا مؤشراً -ولو صغيراً - على النجاح ؟