العظم الذي في الرئة
بقلم / عبدالله الشلماني
كان أجدادنا الليبيون في أزمنة غابرة يمثلون لصاحب الطالع السيئ والحظ العاثر قائلين ( راقد الريح يلقى العظم في الريّة ) .. وهذا صحيح .. فمن يصدق أن الرئة التي هي أكثر ما يكون طراوة ونعومة من لحم الشواء يمكن أن يجد فيها من يقضمها عظماً يكسر ضرسه أو يهتك شدقه إلا إذا كان فعلاً ( راقد ريح ) ؟.. ولكم أن تتخيلوا كم أنا ( راقد ريح ) عندما تستمعون لهذه القصة العجيبة التي صادفت فيها من العظام في كل رئة حاولت قضمها ما سيجعلكم تقتنعون ( برقادة ريحي ) ..
كنت ذكياً ومجتهداً في دراستي .. لم أضيع في حياتي سنة دراسية واحدة .. طويت المرحلة الإبتدائية في وقتها المحدد .. وكذلك الإعدادية .. في الثانوية أردت دخول القسم العلمي لأنني أردت آنذاك تحقيق حلمي لأكون كابتن طائرة .. وكانت تلك أول عظمة أجدها في الرئة بحياتي .. حين أجهض حلمي برفضهم إلحاقي بالقسم العلمي لأنني تأخرت في التسجيل .. تخرجت من القسم الأدبي لأجد نفسي منسَّباً مسبقاً ودون أي ترتيب معي إلى قسم السياحة بجامعة عمر المختار فرع درنة .. وكانت تلك العظمة الثانية وأرجو ألا تطالبوني بأعداد العظام بعدها لأنها أكثر من أن تحصى ولاحظوا أنني أتحدث معكم فقط عن الدراسة .. تخرجت من قسم السياحة فأردت إتمام دراستي العليا أسوة بزملائي من الدفعة التي سبقتني والتي لم يتخلف أحد منها عن الدراسة العليا – بل وفي الخارج - إلا من رفض أن يدرس ، لأفاجأ – وأنا الأول على دفعتي – أن دفعتنا ليس لها فرصة الدفعة السابقة لسبب لا أزال حتى الآن أجهله .. لم أترك جامعة ليبية واحدة تعتب عليَّ عامة كانت أو أهلية إلا وذهبت إليها راغباً إتمام دراستي فقوبلت فيها بالرفض لانعدام وجود تخصص السياحة فيها ، لكن ما ذنبي إن قذفت بي ( ليبيا ) في تخصص ليس له وجود بجامعاتها بالرغم من إرادتي ؟ يا هووووه .. يا جامعات ليبيا .. ألا هل من تخصص آخر قريب من تخصصي ولو حتى ( بنَّة مرق في طاسة ) ؟ .. أجابتني إحدى الجامعات الخاصة التي تحتاج الدراسة فيها إلى ( مافتح ورزق ) وبعد وساطات ووفادات وسفارات أوفدتها إليها قائلة :
بقلم / عبدالله الشلماني
كان أجدادنا الليبيون في أزمنة غابرة يمثلون لصاحب الطالع السيئ والحظ العاثر قائلين ( راقد الريح يلقى العظم في الريّة ) .. وهذا صحيح .. فمن يصدق أن الرئة التي هي أكثر ما يكون طراوة ونعومة من لحم الشواء يمكن أن يجد فيها من يقضمها عظماً يكسر ضرسه أو يهتك شدقه إلا إذا كان فعلاً ( راقد ريح ) ؟.. ولكم أن تتخيلوا كم أنا ( راقد ريح ) عندما تستمعون لهذه القصة العجيبة التي صادفت فيها من العظام في كل رئة حاولت قضمها ما سيجعلكم تقتنعون ( برقادة ريحي ) ..
كنت ذكياً ومجتهداً في دراستي .. لم أضيع في حياتي سنة دراسية واحدة .. طويت المرحلة الإبتدائية في وقتها المحدد .. وكذلك الإعدادية .. في الثانوية أردت دخول القسم العلمي لأنني أردت آنذاك تحقيق حلمي لأكون كابتن طائرة .. وكانت تلك أول عظمة أجدها في الرئة بحياتي .. حين أجهض حلمي برفضهم إلحاقي بالقسم العلمي لأنني تأخرت في التسجيل .. تخرجت من القسم الأدبي لأجد نفسي منسَّباً مسبقاً ودون أي ترتيب معي إلى قسم السياحة بجامعة عمر المختار فرع درنة .. وكانت تلك العظمة الثانية وأرجو ألا تطالبوني بأعداد العظام بعدها لأنها أكثر من أن تحصى ولاحظوا أنني أتحدث معكم فقط عن الدراسة .. تخرجت من قسم السياحة فأردت إتمام دراستي العليا أسوة بزملائي من الدفعة التي سبقتني والتي لم يتخلف أحد منها عن الدراسة العليا – بل وفي الخارج - إلا من رفض أن يدرس ، لأفاجأ – وأنا الأول على دفعتي – أن دفعتنا ليس لها فرصة الدفعة السابقة لسبب لا أزال حتى الآن أجهله .. لم أترك جامعة ليبية واحدة تعتب عليَّ عامة كانت أو أهلية إلا وذهبت إليها راغباً إتمام دراستي فقوبلت فيها بالرفض لانعدام وجود تخصص السياحة فيها ، لكن ما ذنبي إن قذفت بي ( ليبيا ) في تخصص ليس له وجود بجامعاتها بالرغم من إرادتي ؟ يا هووووه .. يا جامعات ليبيا .. ألا هل من تخصص آخر قريب من تخصصي ولو حتى ( بنَّة مرق في طاسة ) ؟ .. أجابتني إحدى الجامعات الخاصة التي تحتاج الدراسة فيها إلى ( مافتح ورزق ) وبعد وساطات ووفادات وسفارات أوفدتها إليها قائلة :
- عندنا ( بنَّة مرق في طاسة ) .. قسم الجغرافيا .. ستحضر في الجغرافيا السياحية .. لكن عليك أن تجلب معك عشرين طالباً آخر لنفتح بكم جميعاً قسم ( استدراك ) .. فأنتم غير مختصين لتدخلوا الدراسة مباشرة .. وبعددكم فقط وليس أدنى من ذلك يمكننا تغطية النفقات ..
.. ( حَيْه بلا ) .. من أين لي بعشرين طالب ؟.. ( يا تاجورا ريتيش عمر ) ؟ حاولت الحصول على منحة للدراسة بالخارج .. قوبلت أيضاً بالرفض مع الإستهزاء هذه المرة .. قالوا :
- أنت لست معيد بالجامعة .. أنت موظف بالبريد .. ( روّح ياراجل ) ..
أيقنت أخيراً أن الأمل بالدراسة هنا ماهو إلا سراب .. في مصر طلبوا مني لكي ألتحق بالدراسة على حسابي الخاص فقط شهادة التخرج وشهادة ميلاد وأربع صور شخصية مع صك إيداع بقيمة قسط الفصل الأول .. مصادقة كلها من القنصلية المصرية ببنغازي .. القنصلية طلبت تصديق الخارجية الليبية .. ( خرّف ياشعيب ) .. ليبيا مرة أخرى ..
أما شهادة الميلاد فصودق عليها من مكتب الخارجية في البيضاء .. وأما شهادة التخرج فتتطلّب السفر لطرابلس للمصادقة عليها من هناك ..
في الخارجية الليبية بطرابلس – وبعد انتظار أربعة أيام كاملة في الفنادق بسبب انعدام وجود دمغات سبقها انتظار نصف يوم في مطار بنينا بسبب كروت صعودنا للطائرة والتي سرقتها ( العصفورة ) - قالوا :
- نريد لكي نصادق على أوراقك أن تصادق عليها أولاً في إدارة البعثات ..
- ياهوووه .. يا خارجية ليبيا .. أنا أدرس على حسابي فما حاجتي أو ما حاجتكم إلى تصديق إدارة البعثات ؟..
شعروا بالضيق من كلامي :
- ( تبي تعلمنا شغلنا ؟ بره لمكتب البعثات يا بنادم .. الخارجية ما تصادقش على أمور الدراسة إلا بتصديق مكتب البعثات ) ..
- ياناس .. ياعرب .. هاهو تصديق فرع الخارجية بالبيضاء على شهادة الميلاد بدون تصديق إدارة البعثات مع علمهم بأنني أريد مصادقتهم لغرض الدراسة .. حرام عليكم ياعباد الله .. أم أن طرابلس دولة والبيضاء دولة أخرى ؟ ..
- ( يا ودي راك سببتلنا صداع .. برة أعطي الدور للي بعدك .. برة تربح ) ..
.. رجعت إلى بيتنا خالي الوفاض .. محاولاً إحصاء العظام التي اخترقت سقف فمي أثناء مضغي رئة الدراسة منذ أن كنت بالثانوية .. فوجدتها تكفي لتكوين هيكل عظمي متكامل لشخص حاول الدراسة ففشل .. شخص ( راقد ريح ) ..
* * *