بقلم / عبدالله الشلماني ..
(الحلقة الأولى)
الكثيرون من جيل شبابنا الصاعد في ليبيا يجهلون بشكل يكاد يكون تاماً تاريخ دولة الإستقلال الليبية ، وذلك نتيجة للتجهيل المتعمد من قبل النظام الجائر . الذي اختزل تاريخ ليبيا في انقلاب 1969 وكأن ما قبله من الزمن لم يعرف شيئاً اسمه ليبيا . ونحن هنا لن نسرد تاريخ ليبيا الحبيبة منذ فجر ولادتها ، لأن في الكتب والمراجع ومناهج المدارس والجامعات ما يغني المهتم بهذه الحقب . لكننا سنركز على ولادة دولة ليبيا الحديثة الذي أعلن استقلالها في 24 ديسمبر 1951 ، بعد مخاض طويل من الجهاد العسكري والسياسي في أرض الوطن وفي المنافي .
كانت ليبيا تحت حكم الخلافة العثمانية في عهده الثاني والأخير الذي فصلت بينه وبين العهد العثماني الأول دولة القرمانليين شبه المستقلة والتابعة إسمياً فقط للباب العالي بالآستانة . وذلك عندما احتلت قوات إيطاليا شواطيء ليبيا سنة 1911 كما احتلت دواخلها بعد ذلك . ومع هذا الإحتلال بدأ الليبيون في عهد من الجهاد المشرف ، حيث سطروا بدمائهم ملاحم من البطولات والإقدام المنقطع النظير شهد لهم بها الأعداء قبل الأصدقاء . وبلغ السيل الزبى واشتدت قبضة الإيطاليين على جنود وقادة الجهاد الليبيين عندما انتهت حركة الجهاد المنظم بأسر وإعدام الشيخ عمر المختار والذي كان يقود حركة الجهاد وجبهات القتال المعروفة (بالأدوار) كوكيل ميداني عن السيد محمد إدريس المهدي السنوسي القائد الروحي لحركة الجهاد في برقة والذي كان يدير دفة القتال في الإقليم الشرقي من ليبيا والمعروف بـ ( برقة ) من منفاه الإجباري في مصر . حيث أعدم المختار في سبتمبر 1931 . كما توقف القتال المنظم في إقليم غرب ليبيا (طرابلس) في وقت مبكر مع احتلال مدن الدواخل . ولم يتبق في ليبيا سوى جيوب قتالية متفرقة هنا وهناك . كما هاجر معظم المجاهدين من الجنود والقادة إلى المنافي في مصر وتونس وفلسطين وسوريا وتركيا وغيرها لمواصلة الجهاد الدبلوماسي والسياسي .
وهنا تماماً وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 التي تحالفت فيها إيطاليا مع ألمانيا ضد الحلفاء والذين كانت من ضمنهم بريطانيا ، يستغل السيد إدريس السنوسي باني دولة ليبيا الحديثة بحنكته ودهائه السياسي النادر هذه التحالفات والظروف الدولية البالغة التعقيد لكي يعمل على تحرير ليبيا من المستعمر الإيطالي البغيض . حيث كانت بريطانيا تحتل مصر وقد هاجمها الألمان بالتعاون مع الإيطاليين ليستولوا منها على الأراضي المصرية ولتأمين منفذ قناة السويس الإستراتيجي والسيطرة عليه . فكان من الطبيعي أن تقاوم بريطانيا هذا الهجوم بهجمة عكسية ضد الإيطاليين والألمان في ليبيا ، وطلبت بريطانيا المساعدة من السيد إدريس السنوسي مع رفاقه الليبيين باعتبارهم أدرى بالطرق والمسالك ونقاط الضعف والقوة في الأراضي الليبية . فاشترط السيد إدريس – ملك ليبيا لاحقاً – على الإنجليز الحصول على تعهد رسمي بالإستقلال لقاء مساعدتهم في المهمة التي طلبوها . فحصل على تعهد رسمي معلن بهذا على لسان وزير خارجية بريطانيا (أنطوني إيدن) أمام مجلس العموم البريطاني ، والذي استغله إدريس السنوسي بعد ذلك في الضغط على بريطانيا والأسرة الدولية لنيل إستقلال ليبيا . وبالفعل يشكل السنوسي جيش ليبي من المجاهدين الليبيين المهاجرين إلى مصر عرف لاحقاً (بالجيش السنوسي ) أو (جيش التحرير) ، والذي كان النواة الأولى للجيش الليبي الحديث والحالي وذلك سنة 1941 بالقاهرة . وهو الجيش الذي كان له الفضل والنصيب الأكبر من أسباب اندحار ألمانيا وإيطاليا وتحرير ليبيا منهما وذلك بشهادة قادة وجنرالات الجيش البريطاني قبل غيرهم . وسنعرف في الحلقات القادمة كيف سارت الأحداث التاريخية حتى نالت ليبيا استقلالها في نهاية المطاف ..