الأحد، 5 يونيو 2011

مذكرات راقد ريح .. بقلم / عبدالله الشلماني



ملحوظة / قبل 17 فبراير 2011 نُشرت 8 حلقات من هذه السلسلة من المقالات الأدبية تحت اسم (مذكرات راقد ريح) .. وبعد 17 فبراير 2011 ها هي الحلقة الأولى من الجزء الثاني من نفس السلسلة لكن تحت عنوان : مذكرات راقد ريح (سابق) ..


الحلقة الأولى : حالة التصاق

دخلت إلى "المربوعة" متلهفاً لسماع الأخبار .. ولجت بسرعة عائداً من ساحة (الشهيد علي حسن الجابر) في مدينة المرج بعد الإنتهاء من وقفتنا الإحتجاجية اليومية على مجازر الطاغية وللمطالبة برحيله .. بعض شباب أسرتي سبقوني بالعودة من الساحة وجلسوا يشاهدون أخبار ( الجزيرة ) .. ألقيت التحية :
- السلام عليكم ..
- سلام ..
- مازال قاعد ؟
- ...............!
فهمت من صمتهم البليغ ومن ملامح وجوههم المتجهمة أنه (مازال قاعد) .. شهران يمران الآن وهو لا يزال "ساكن" ويتشبث بقوائم الكرسي .. رغم أننا نسحبه من رجليه عن الكرسي منذ شهرين .. اللعنة .. إنه ملتصق تماماً .. تنهدت مردداً بيني وبين نفسي :
- " الله يعطيه دعوة " ..
هذا (المخلوق) العجيب يستعصي على الفهم بالنسبة لي .. فهو إما يتلقى التعليمات لقتل الشعب الليبي الأعزل من خارج مجرة درب التبانة ، وذلك عن طريق الأطباق الطائرة كما في المسلسل الكرتوني (غريندايزر) متقمصاً دور (زوريل) ، وإما أنه ينتمي لعالم الجن والشياطين ويأتمر بأمرهم .. معقولة !؟ .. لا أعتقد أن ثمة إنساناً مهما كانت درجة غبائه يعجز عن فهم هذه المعادلة البسيطة .. شعب فوق أرضه يقول بأكمله لمن يحكمه وبصوت واحد : (إرحل) .. الإستجابة الطبيعية حتماً ودون عناء ولا تفكير هي الرحيل .. لا جدوى من التلكؤ .. و كان ينبغي بدل أن يكون هذا الرحيل مأساوياً وفضائحياً كما يحدث معه الآن ، أن يخرج بشيء من حفظ ماء (القفا) !؟ لأن وجهه لم يعد به ماء ولا حتى دم ..
المهم أنني جلست في حجرتي متأملاً في ملامح المشهد .. دارت في خلدي أشياء كثيرة .. وشردت بي الأفكار بعيداً .. من "المربوعة" كان يصل إليَّ صوت التلفاز خافتاً بعض الشيء .. لقد كان فاصلاً تبثه بعض القنوات الإخبارية بتهكم واضح لمقتطفاتٍ من خطابه المجنون .. أستطيع الآن تمييز صوته المتهدج وهو يزعق :
- " سأزحف آني والملايين لتحرير ليبيا بيت بيت .. دار دار .. زنقة زنقة .. شبر شبر .. فرد فرد " ..
وجدت نفسي أردد تلقائياً ولا إرادياً :
- "الله يعطيه دعوة .. دعوة زي الدعوة اللي مزقت كم كبوطه " ..
بدأت أفكر فيما يجب عمله .. فالواجبات الآن أكثر بكثير من الأوقات المتاحة لإنجازها .. هل أذهب لجبهة القتال ؟ .. لكنني لا أمتلك بندقية للأسف الشديد .. فحظي المنحوس كدأبه دائماً لم يتح لي أن أكون أحد مقتحمي مخازن الأسلحة لأحظى بواحدة ، ولا أنا أمتلك الثلاثة آلاف دينار ثمناً لها في ساحة بيع الخضار بالمرج حيث تباع بجوار الجرجير والفجل بدل التبرع بها للثوار !! .. ومجرد ذهابي إلى هناك بدون بندقية هو محض عبث .. يعني أنني سوف ألتهم ما يجلب للثوار من المؤن بدون فائدة .. عمالة زائدة .. وبما أنني بدون بندقية فمكاني بلا ريب هو الخطوط الخلفية حيث الطناجر وقدور الطبخ .. والإحتمال الأرجح بالتالي هو أنني سوف أموت بلا طائل إما بقذيفة قذافية – وما أجمل الجناس في "القذيفة القذافية" – وذلك عند إحدى خيانات الطابور الخامس ، وإما بقصف بطريق "الخطأ" من قبل طائرات (الناتو) .. يعني بالليبي الفصيح "في غوط باطل" .. ما العمل إذاً ؟ .. توصلت إلى قناعة تامة بضرورة البحث عن دور في الجبهة المدنية .. في الحراك السلمي للثورة .. وهذا الدور أستطيع القيام به بسهولة وبنجاح على ما أعتقد .. كيف لا ؟ التضحيات في العمل السلمي مهما عظمت فلن تبلغ عظمة التضحية بالروح .. لذا سأواصل التظاهر في ميدان الشهيد علي الجابر بالمرج .. وسأشارك في المظاهرات الحاشدة أمام محكمة بنغازي .. سأدعو عليه خلف الإمام في القنوت لكل صلاة .. سأذرف دموعاً وأنا أشيع جثمان كل شهيد ، أذيب فيها ألم فراقه في فرحة زفافه إلى الفردوس الأعلى .. هذا أقل ما يمكنني عمله .. لن أقعد عن المطالبة بحقوقي بعد اليوم .. نعم .. الطريق لإنهاء حالة الإلتصاق العجيبة هذه مضمخة بدماء آلاف الشهداء .. إنها طويلة .. لكننا سنسلكها إلى آخرها .. إلى باب العزيزية ..
يتبادر إلى مسامعي من "المربوعة" صوت التلفاز من جديد .. إنه يزعق هذه المرة :
- " أنا هنا ، أنا هنا ، أنا هنا . !! ؟؟ " ..
زعقت بدوري حانقاً ومجيباً :
- " جايينك ، جايينك ، جايينك .. " ..

هناك 4 تعليقات:

طارق الطيرة يقول...

وكأنك تقرأ افكارى ياشيخ عبدالله حتى انا لم اتحصل على بندقية ولم اقتحم مخازن السلاح الا اننى تعهدت لنفسى ان اقاوم هذا الشر سلمياوانت تعلم بقية القصة فقد عشناها سويا فى ساحة الشهيد على حسن الجابر بالمرج والمنتدى الثقافى الحر والتجمع المنى لدعم وتطوير مؤسسات المجتمع وائتلاف شباب 17 فبراير الذى شرفتنى بالانظمام اليه ،اخى عبدالله لاتنسانا من دعائك ولاتنسانا من زيارة مدونتى الجديدة www.tamwealblogspot.com

طارق الطيرة يقول...

www.tamweal.blogspot.com

رابط المدونة ياشيخ عبدالله واذا مافتحش معاك بالامكان زيارتها من خلال صفحتى على الفيس بوك

غير معرف يقول...

لم اتخيل يوما ان يكون هناك شخصا مثل القردافي مريض نفسي

غيداء الحاسي يقول...

كنت اتابع مذكرات راقد ريح من قبل الثورة وانا اعجبت بطريقتك استاد عبدالله في الكتابة ونهنيك بالحزب الجديد وانشالله ربي يوفقنا حتى نبنو بلادنا وانا من الآن اعطيكم صوتي وتمنالكم النجاح وليبيا امانة في اعناقكم يا شباب بلادي ربي يعينكم ويوفقكم وعاشت ليبيا حرة والمجد والرحمة للشهداء.