بقلم / عبدالله الشلماني
لقد أعاد ذاك المقال الذي كتبه صديقي " الجميل " عبدالباسط بوبكر محمد , بعنوان ( هذا ما حدث فعلاُ ) والمنشور في موقع ( الفضاء الثقافي ) على شبكة الإنترنت , أعاد إلى ذاكرتي تلك اللحظات النادرة التي قضيتها وإياه معاً في جامعة درنة , حين كنا آنذاك ( نتهجى الحياة معاً ) كما قال هو نفسه في إهدائه على نسخةٍ من ديوانه ( في متناول القلب ) كان قد أهدانيها فور صدورها . وكما قال عبدالباسط في المقال , فإن المفارقات العجيبة التي صادفتنا في الجامعة , فتحت أعيننا في حينها على الكثير من حقائق الواقع المؤلم , الذي كنا ننظر إليه بشيءٍ من المثالية المفرطة ربما بسبب حداثة سننا آنذاك . تلك المفارقات والتناقضات العجيبة كانت أهم من كل الدروس والمحاضرات التي تعلمناها في الجامعة ..! باعتبار أن هذا النوع من الدروس القاسية لا يمكن أبداً تلقِّيه عن طريق صفحات مذكرةٍ رديئة المضمون والطباعة في آن , أو موضوع ورقةٍ بحثيةٍ مزيفةٍ يفرضه أستاذٌ ما على الطالب ليرفع به العتب عن نفسه إذا ما اتهموه بالتقصير , أو عن طريق استعراضاتٍ خطابيةٍ أثناء المحاضرة لأستاذٍ آخر .. إنه ذلك النوع من الدروس الذي تتكفل بتدريسه لنا " الدنيا " كما يقولون .. وما من شكٍ أن أية جامعة – جامعتي أنا وعبدالباسط على أقل تقدير – كانت عبارةً عن " دنيا صغيرة " .. فيها كل ما يدور ويجري في " الدنيا الكبيرة " من أحداثٍ وصخبٍ و جنون !؟..صراعٌ مستمرٌ مع الغد .. نجاحات وإخفاقات .. أحلام وصدمات .. تنافس وحسد .. أمنيات وإحباطات .. صداقات وعداوات .. حب وخيانة ..باختصار " دنيا صغيرة " ..
غير أن أهم وأبرز صفةٍ أو قاسمٍ مشتركٍ بين الدنيتين , تتقاطعان فيه وتتشابهان إلى درجة التطابق , هو " الظلم " ..! حيث تتجلى بوضوحٍ جدلية ( الحاكمية ) بأدق تفاصيلها .. الدكتاتورية المطلقة .. الحاكم والمحكوم في الدنيا الكبيرة , يقابلهما الأستاذ والطالب في الدنيا الصغيرة .. عندما تكون العلاقة بين الإثنين في كليهما قائمةً على مبدأ : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .. النظم السياسية الظلامية و المتخلفة في الدنيا الكبيرة .. تقابلها طواقم الإدارات والمكاتب في الدنيا الصغيرة .. حيث المواطن هو آخر اهتمامات الأولى , والطالب هو آخر اهتمامات الثانية ! .. أرأيتم ؟.. ألم أقل لكم أن الجامعة هي دنيا صغيرة ؟.. ولكن مهلاً .. يقولون أنه بالمثال يتضح المقال .. إذاً فاستمعوا لهذه القصة : بطل هذه القصة هو أنا شخصياً .. فأنا لم أرسب طيلة فترة دراستي الجامعية سوى في مادةٍ واحدة فقط , اضطررت إلى ترحيلها معي من السنة الثانية إلى السنة الثالثة . لم يكن الإهمال أو التقصير هو سبب الرسوب . بل كان مزاج أستاذ تلك المادة هو السبب .. وذلك عندما صادف حظي العاثر دخولي إلى المحاضرة في الوقت الذي كانت فيه الحالة المزاجية للدكتور سيئةً للغاية , قيل لي يومها أنها كانت كذلك بسبب مشادَّةٍ كلاميةٍ في موضوعٍ تافه , جرت بينه وبين أحد الطلبة . لأكافأ أنا بتلقِّي " الهبَّة الخلفية " لتلك القذيفة التي سددها الدكتور إلى ذلكم الطالب .. إذ شملتني عقوبته السماوية العادلة , بأن طردني من القاعة بصحبة غريمه ونهائياً بجملةٍ واحدة :
- ( ماكو أحد منكم ثنينكم يحضرلي بعد هسَّه ) ..!!
.. جريمة غريمه قد عرفتموها .. أما جريمتي أنا فكانت تأخري لثلاث دقائق ونصف بالتمام والكمال , نتيجةً لتحقيقٍ مقتضب أجراه معي حارس باب الكلية عندما لم يجد بحوزتي بطاقة التعريف ..! تماماً كما يحدث في الدنيا الكبيرة .. الخلاصة أنني ورغم رجوعي في المحاضرات التالية إلى قاعة الدرس بعد وساطات أوفدتها إليه , إلا أنني لم أُشطب بالنسبة له من قائمة " الأسماء المغضوب عليها " , والتي تقابلها في الدنيا الكبيرة قائمة " المنظمات والدول المارقة " .. وهكذا .. ومع كل تلك الإبتسامات العريضة التي أغدقها عليَّ الأستاذ طوال ذاك العام , ومع كل المجهود الرائع الذي بذلته في مذاكرة وتحصيل المادة , وجدت نفسي عند إعلان النتائج وقد رسبت و بنسبةٍ " مخجلة " .. ومن المفارقات العجيبة التي حدثتكم عنها في البداية , أنني حققت في السنة التالية نجاحاً بنسبة " الإمتياز " في نفس المادة عندما درستها مع أستاذٍ آخر . مع العلم أنني دخلت إمتحان المادة النهائي ( على المائة ) كما يُقال . أي برصيد " صفر " من درجات أعمال السنة , وذلك بحسب لوائح وقوانين الدنيا الصغيرة .. ومع العلم أيضاً أنني لا أتذكَّر أن الأستاذ الثاني الذي درسني تلك المادة قد ابتسم في سحنتي ولو لمرةٍ واحدة ..!!
* * *
لقد أعاد ذاك المقال الذي كتبه صديقي " الجميل " عبدالباسط بوبكر محمد , بعنوان ( هذا ما حدث فعلاُ ) والمنشور في موقع ( الفضاء الثقافي ) على شبكة الإنترنت , أعاد إلى ذاكرتي تلك اللحظات النادرة التي قضيتها وإياه معاً في جامعة درنة , حين كنا آنذاك ( نتهجى الحياة معاً ) كما قال هو نفسه في إهدائه على نسخةٍ من ديوانه ( في متناول القلب ) كان قد أهدانيها فور صدورها . وكما قال عبدالباسط في المقال , فإن المفارقات العجيبة التي صادفتنا في الجامعة , فتحت أعيننا في حينها على الكثير من حقائق الواقع المؤلم , الذي كنا ننظر إليه بشيءٍ من المثالية المفرطة ربما بسبب حداثة سننا آنذاك . تلك المفارقات والتناقضات العجيبة كانت أهم من كل الدروس والمحاضرات التي تعلمناها في الجامعة ..! باعتبار أن هذا النوع من الدروس القاسية لا يمكن أبداً تلقِّيه عن طريق صفحات مذكرةٍ رديئة المضمون والطباعة في آن , أو موضوع ورقةٍ بحثيةٍ مزيفةٍ يفرضه أستاذٌ ما على الطالب ليرفع به العتب عن نفسه إذا ما اتهموه بالتقصير , أو عن طريق استعراضاتٍ خطابيةٍ أثناء المحاضرة لأستاذٍ آخر .. إنه ذلك النوع من الدروس الذي تتكفل بتدريسه لنا " الدنيا " كما يقولون .. وما من شكٍ أن أية جامعة – جامعتي أنا وعبدالباسط على أقل تقدير – كانت عبارةً عن " دنيا صغيرة " .. فيها كل ما يدور ويجري في " الدنيا الكبيرة " من أحداثٍ وصخبٍ و جنون !؟..صراعٌ مستمرٌ مع الغد .. نجاحات وإخفاقات .. أحلام وصدمات .. تنافس وحسد .. أمنيات وإحباطات .. صداقات وعداوات .. حب وخيانة ..باختصار " دنيا صغيرة " ..
غير أن أهم وأبرز صفةٍ أو قاسمٍ مشتركٍ بين الدنيتين , تتقاطعان فيه وتتشابهان إلى درجة التطابق , هو " الظلم " ..! حيث تتجلى بوضوحٍ جدلية ( الحاكمية ) بأدق تفاصيلها .. الدكتاتورية المطلقة .. الحاكم والمحكوم في الدنيا الكبيرة , يقابلهما الأستاذ والطالب في الدنيا الصغيرة .. عندما تكون العلاقة بين الإثنين في كليهما قائمةً على مبدأ : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .. النظم السياسية الظلامية و المتخلفة في الدنيا الكبيرة .. تقابلها طواقم الإدارات والمكاتب في الدنيا الصغيرة .. حيث المواطن هو آخر اهتمامات الأولى , والطالب هو آخر اهتمامات الثانية ! .. أرأيتم ؟.. ألم أقل لكم أن الجامعة هي دنيا صغيرة ؟.. ولكن مهلاً .. يقولون أنه بالمثال يتضح المقال .. إذاً فاستمعوا لهذه القصة : بطل هذه القصة هو أنا شخصياً .. فأنا لم أرسب طيلة فترة دراستي الجامعية سوى في مادةٍ واحدة فقط , اضطررت إلى ترحيلها معي من السنة الثانية إلى السنة الثالثة . لم يكن الإهمال أو التقصير هو سبب الرسوب . بل كان مزاج أستاذ تلك المادة هو السبب .. وذلك عندما صادف حظي العاثر دخولي إلى المحاضرة في الوقت الذي كانت فيه الحالة المزاجية للدكتور سيئةً للغاية , قيل لي يومها أنها كانت كذلك بسبب مشادَّةٍ كلاميةٍ في موضوعٍ تافه , جرت بينه وبين أحد الطلبة . لأكافأ أنا بتلقِّي " الهبَّة الخلفية " لتلك القذيفة التي سددها الدكتور إلى ذلكم الطالب .. إذ شملتني عقوبته السماوية العادلة , بأن طردني من القاعة بصحبة غريمه ونهائياً بجملةٍ واحدة :
- ( ماكو أحد منكم ثنينكم يحضرلي بعد هسَّه ) ..!!
.. جريمة غريمه قد عرفتموها .. أما جريمتي أنا فكانت تأخري لثلاث دقائق ونصف بالتمام والكمال , نتيجةً لتحقيقٍ مقتضب أجراه معي حارس باب الكلية عندما لم يجد بحوزتي بطاقة التعريف ..! تماماً كما يحدث في الدنيا الكبيرة .. الخلاصة أنني ورغم رجوعي في المحاضرات التالية إلى قاعة الدرس بعد وساطات أوفدتها إليه , إلا أنني لم أُشطب بالنسبة له من قائمة " الأسماء المغضوب عليها " , والتي تقابلها في الدنيا الكبيرة قائمة " المنظمات والدول المارقة " .. وهكذا .. ومع كل تلك الإبتسامات العريضة التي أغدقها عليَّ الأستاذ طوال ذاك العام , ومع كل المجهود الرائع الذي بذلته في مذاكرة وتحصيل المادة , وجدت نفسي عند إعلان النتائج وقد رسبت و بنسبةٍ " مخجلة " .. ومن المفارقات العجيبة التي حدثتكم عنها في البداية , أنني حققت في السنة التالية نجاحاً بنسبة " الإمتياز " في نفس المادة عندما درستها مع أستاذٍ آخر . مع العلم أنني دخلت إمتحان المادة النهائي ( على المائة ) كما يُقال . أي برصيد " صفر " من درجات أعمال السنة , وذلك بحسب لوائح وقوانين الدنيا الصغيرة .. ومع العلم أيضاً أنني لا أتذكَّر أن الأستاذ الثاني الذي درسني تلك المادة قد ابتسم في سحنتي ولو لمرةٍ واحدة ..!!
* * *
هناك 4 تعليقات:
الى الصديق/ عبد الله الشلماني
هذا الاديب الذى ما قرأت له يوما الا وزدت به فخرا واعتزاز هذا الاديب الذى بقلمه يصور لنا حقائق البيئه المحيطه به دون تزيف او تحريف
فأقول لك يا عبدالله ســــــر حتى وان كانت خطاك مردوفة بأكياس من رمل سر الى الامام وسدد الله خطاكم
ع.م.العقيلى
أعجبني هذا الأرشيف.. ربما لشغفي بالأرشفة.. ومحاولة حفظ تراثنا وتاريخنا.. فشكراً للأخ عبدالله الشلماني على هذا الأرشيف (لزرق)!!!
أستاذ عبد الله سُعدنا بوجوك معنا
احترامنا
ونتمنى ان تختار ايقونة مناسبة لوضعها في المدونة كدعم لموقع الإتحاد
إحترامنا
إرسال تعليق