الحمد لله على نعمة الأكسجين
بقلم / عبدالله الشلماني
في بلادنا كلما اشتكيت همومك كمواطن محروم إلى أحدهم – خاصة المسؤولين - تجده يقول لك :
- ( إحمد الله .. البلادات لخرات قاطعهم الشر ) أو يقول : ( إحمد الله .. العام اللي فات كلوا بعضهم في مجاعة النيجر ) أو يقول : ( إحمد الله .. في الهند قاعدين يمشوا حفايا وعرايا وحالهم عطيب ) أو يقول : ( إحمد الله .. في بلادات برّة حتى قضاء الحاجة في المراحيض بالفلوس ) ..
المهم أنهم يشعرونك بالذنب وبالخجل والعار لمجرد أنك اجترأت على الله وذكرت ( دون حياء ..!! ) أن لك حقوقاً مسلوبة أو حوائج مغتصبة .. وأنك بمطالبتك بأبسط حقوقك استوجبت لنفسك سخط الله لأنك تجحد بنعمته عليك إذ لم يخلقك فلسطينياً يُسام العذاب والجوع في غزة ، أو سجيناً في غوانتانامو ، أو ( جاموسة ) تحرث الأرض في صعيد مصر ، أو ( " سنفوراً " وجارك الخلفي هو " شرشبيل " ) .. وتجد نفسك في النهاية تتنهد هامساً بانكسار– وعن غير قناعة – ووجهك ينتقع حمرةً ، قائلاً :
- الحمد لله ..!!؟
لا أدري كيف يتعامل الناس مع مفهوم الرضا بالقدر وحمد الله والثناء عليه بهذا المنطق المعكوس والفهم المغلوط ؟. نعم الحمد لله على كل حال .. فهو الذي لا يحمد على مكروه سواه .. وأن المسلم أمره كله له خير ، إن أصابته سرّاء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيراً له .. نحن نعرف ذلك جيداً .. لكن لنا طموحاً ذبلت وأحلاماً تبخّرت وشعوراً مقيتاً وقاسياً بالظلم تملأ مرارته أفواهنا .. ليس سخطاً علينا من الله حاشى لله .. بل تطاولاً من الأجلاف من خلقه على الضعفاء منهم .. أفلا يحق لنا على الأقل أن نبكي من ألم ما نجد ؟!.. مجرد أن نشتكي و ( نفضفض ) ؟!.. آه نعم نعم .. صحيح لقد تذكّرت .. تظل الجاموسة المسكينة التي تجر محراثاً في الدقهلية أسوأ حالاً مني .. الحمد لله ، الحمد لله ..
قبل نحو خمسِ سنوات من الآن كنت أخطط – وهو ما لم يحدث - لأن يكون لي بعد خمسِ سنوات طفل يبلغ من العمر خمسَ سنوات !! .. هل تدرون كيف ؟.. ذلك أنني أملت في الزواج يومها حين سمعنا عبر الإعلام أن من يستخرج بطاقة عضوية في روابط الشباب الليبية فهو الوحيد وليس أحد سواه من له الحق في الحصول على شقة سكنية أو قرض استثماري ونحو ذلك في أسرع مما قد يتخيل أي إنسان .. لا أعتقد أن أحداً من جيلي قد نام تلك الليلة .. هرولنا مع أول ضوء للفجر صوب أكشاك تصوير المستندات – وهي المستفيد الوحيد من وعود ليبيا المؤجلة – لاستكمال ملف أوراق البطاقة .. خصّصوا لنا مندوباً عن رابطة الشباب في كل مؤتمر شعبي .. اكتظ مكتب مندوبنا بأصحاب الملفات المملوئين سعادة بقرب دخول القفص الذهبي .. يدهس بعضنا بعضاً ويشتم ويزاحم بعضنا بعضاً .. الأعين جاحظة في محاجرها والعرق يتصبب والأكسجين في تناقص مستمر .. ليس مهماً ، فالشقة تستأهل العناء والعرق بل وحتى الملاكمة إن لزم الأمر .. أنا شخصياً حُجبت عن شباك المندوب أربع مرات بعد أن كدت أصل إليه لولا أن المندوب كان يغضب في كل مرة منها ليغلق الشباك ويصرخ من الداخل :
- ( تنظموا يا بشر ياهوووه .. تنظموا يا متخلفين .. ياسيدي نقوللكم حاجة .. اليوم ما فيش استلام هيا ياسي ) ..
المهم وبعد ملاحم وأحداث جسام وبعد أن خسر بعضنا أسناناً والبعض الآخر بضعة كيلوجرامات من أوزانهم ، وبعد أن خسرنا جميعاً كماً لا بأس به من الملليغرامات من كرامتنا ، تحصلنا على البطاقات .. يومها وعندما وضعت البطاقة الجديدة في جيبي أحسست أنني أضع في جيبي شقة بأربع غرف وحمامين ومطبخ و ( مربوعة ) .. وفي ذات المطبخ الذي في جيبـي تقف عروس تطهو لي ( طاجين حوت ) ..
لكن الشقة التي وضعتها في جيبي مع البطاقة بدأت تصغر مع الوقت شيئاً فشيئاً فصارت ثلاث غرف ثم اثنتين ثم اثنتين وحماماً واحداً ثم اثنتين وحماماً واحداً بدون ( مربوعة ) ثم غرفة واحدة ثم .. والآن هل تدرون ماذا صارت ؟
لقد صارت الشقة المنتظرة منذ خمس سنوات بطاقة مهترئة في مكان ما من بيتنا لا أدري حتى أين هو .. وأما طيف العروس فلا يزال عند مشارف مدينتي مدينة ( المرج ) ، حيث يتم بناء عمارات سكنية ( بطريقة سلحفاتية ) منذ تلك الفترة ، واقفاً فوق ظهر إحدى الجرافات العملاقة التي تمهّد لتلك العمارات وقد تلطخ واصفرّ و ( تجعّد ) فستانه الأبيض ، وممسكاً بطاجين الحوت الذي نبتت في داخلة الحشائش ..
وآخر ما سمعته بل ما رأيته عن هذا الموضوع ( موضوع الإسكان العام ) ، هو أنهم قاموا بحصر الأسر المستأجرة والقاطنة في الأحياء العشوائية - وليست القاطنة في خيالات أصحابها - ليوقعوهم على تعهدات يقسمون فيها بالله ( جهد أيمانهم ) أنهم مستأجرون وليسوا مالكين .. وذكّرتني رؤيتهم فيما كنت ماراً أمام ذات المؤتمر الذي استخرجت منه بطاقتي وهم يتدافعون ، ذكّرتني بمشهد استخراج البطاقات قبل خمس سنوات مضت .. وإذ بالملاكمة والعرق وضيق التنفس والشتائم من داخل الشبابيك الموصدة كما هي منذ خمس سنوات .. وإذ برجل يخرج غاضباً ربما لأنه لم يستطع الوصول ( لحلف اليمين ) وهو يشتكي ويسب ويلعن ويلهث حتى يكاد يغمى عليه .. فأخذت – لوجه الله تعالى – أهديء من روعه وأهون عليه قائلاً :
- ( وسّع بالك .. كل شي مع الصحة والعافية ساهل .. خوذ أنفاسك هي لوّلة .. إحمد الله اللي ما زلت تتنفس ياراجل !!؟؟ ) ..
- ( إحمد الله .. البلادات لخرات قاطعهم الشر ) أو يقول : ( إحمد الله .. العام اللي فات كلوا بعضهم في مجاعة النيجر ) أو يقول : ( إحمد الله .. في الهند قاعدين يمشوا حفايا وعرايا وحالهم عطيب ) أو يقول : ( إحمد الله .. في بلادات برّة حتى قضاء الحاجة في المراحيض بالفلوس ) ..
المهم أنهم يشعرونك بالذنب وبالخجل والعار لمجرد أنك اجترأت على الله وذكرت ( دون حياء ..!! ) أن لك حقوقاً مسلوبة أو حوائج مغتصبة .. وأنك بمطالبتك بأبسط حقوقك استوجبت لنفسك سخط الله لأنك تجحد بنعمته عليك إذ لم يخلقك فلسطينياً يُسام العذاب والجوع في غزة ، أو سجيناً في غوانتانامو ، أو ( جاموسة ) تحرث الأرض في صعيد مصر ، أو ( " سنفوراً " وجارك الخلفي هو " شرشبيل " ) .. وتجد نفسك في النهاية تتنهد هامساً بانكسار– وعن غير قناعة – ووجهك ينتقع حمرةً ، قائلاً :
- الحمد لله ..!!؟
لا أدري كيف يتعامل الناس مع مفهوم الرضا بالقدر وحمد الله والثناء عليه بهذا المنطق المعكوس والفهم المغلوط ؟. نعم الحمد لله على كل حال .. فهو الذي لا يحمد على مكروه سواه .. وأن المسلم أمره كله له خير ، إن أصابته سرّاء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيراً له .. نحن نعرف ذلك جيداً .. لكن لنا طموحاً ذبلت وأحلاماً تبخّرت وشعوراً مقيتاً وقاسياً بالظلم تملأ مرارته أفواهنا .. ليس سخطاً علينا من الله حاشى لله .. بل تطاولاً من الأجلاف من خلقه على الضعفاء منهم .. أفلا يحق لنا على الأقل أن نبكي من ألم ما نجد ؟!.. مجرد أن نشتكي و ( نفضفض ) ؟!.. آه نعم نعم .. صحيح لقد تذكّرت .. تظل الجاموسة المسكينة التي تجر محراثاً في الدقهلية أسوأ حالاً مني .. الحمد لله ، الحمد لله ..
قبل نحو خمسِ سنوات من الآن كنت أخطط – وهو ما لم يحدث - لأن يكون لي بعد خمسِ سنوات طفل يبلغ من العمر خمسَ سنوات !! .. هل تدرون كيف ؟.. ذلك أنني أملت في الزواج يومها حين سمعنا عبر الإعلام أن من يستخرج بطاقة عضوية في روابط الشباب الليبية فهو الوحيد وليس أحد سواه من له الحق في الحصول على شقة سكنية أو قرض استثماري ونحو ذلك في أسرع مما قد يتخيل أي إنسان .. لا أعتقد أن أحداً من جيلي قد نام تلك الليلة .. هرولنا مع أول ضوء للفجر صوب أكشاك تصوير المستندات – وهي المستفيد الوحيد من وعود ليبيا المؤجلة – لاستكمال ملف أوراق البطاقة .. خصّصوا لنا مندوباً عن رابطة الشباب في كل مؤتمر شعبي .. اكتظ مكتب مندوبنا بأصحاب الملفات المملوئين سعادة بقرب دخول القفص الذهبي .. يدهس بعضنا بعضاً ويشتم ويزاحم بعضنا بعضاً .. الأعين جاحظة في محاجرها والعرق يتصبب والأكسجين في تناقص مستمر .. ليس مهماً ، فالشقة تستأهل العناء والعرق بل وحتى الملاكمة إن لزم الأمر .. أنا شخصياً حُجبت عن شباك المندوب أربع مرات بعد أن كدت أصل إليه لولا أن المندوب كان يغضب في كل مرة منها ليغلق الشباك ويصرخ من الداخل :
- ( تنظموا يا بشر ياهوووه .. تنظموا يا متخلفين .. ياسيدي نقوللكم حاجة .. اليوم ما فيش استلام هيا ياسي ) ..
المهم وبعد ملاحم وأحداث جسام وبعد أن خسر بعضنا أسناناً والبعض الآخر بضعة كيلوجرامات من أوزانهم ، وبعد أن خسرنا جميعاً كماً لا بأس به من الملليغرامات من كرامتنا ، تحصلنا على البطاقات .. يومها وعندما وضعت البطاقة الجديدة في جيبي أحسست أنني أضع في جيبي شقة بأربع غرف وحمامين ومطبخ و ( مربوعة ) .. وفي ذات المطبخ الذي في جيبـي تقف عروس تطهو لي ( طاجين حوت ) ..
لكن الشقة التي وضعتها في جيبي مع البطاقة بدأت تصغر مع الوقت شيئاً فشيئاً فصارت ثلاث غرف ثم اثنتين ثم اثنتين وحماماً واحداً ثم اثنتين وحماماً واحداً بدون ( مربوعة ) ثم غرفة واحدة ثم .. والآن هل تدرون ماذا صارت ؟
لقد صارت الشقة المنتظرة منذ خمس سنوات بطاقة مهترئة في مكان ما من بيتنا لا أدري حتى أين هو .. وأما طيف العروس فلا يزال عند مشارف مدينتي مدينة ( المرج ) ، حيث يتم بناء عمارات سكنية ( بطريقة سلحفاتية ) منذ تلك الفترة ، واقفاً فوق ظهر إحدى الجرافات العملاقة التي تمهّد لتلك العمارات وقد تلطخ واصفرّ و ( تجعّد ) فستانه الأبيض ، وممسكاً بطاجين الحوت الذي نبتت في داخلة الحشائش ..
وآخر ما سمعته بل ما رأيته عن هذا الموضوع ( موضوع الإسكان العام ) ، هو أنهم قاموا بحصر الأسر المستأجرة والقاطنة في الأحياء العشوائية - وليست القاطنة في خيالات أصحابها - ليوقعوهم على تعهدات يقسمون فيها بالله ( جهد أيمانهم ) أنهم مستأجرون وليسوا مالكين .. وذكّرتني رؤيتهم فيما كنت ماراً أمام ذات المؤتمر الذي استخرجت منه بطاقتي وهم يتدافعون ، ذكّرتني بمشهد استخراج البطاقات قبل خمس سنوات مضت .. وإذ بالملاكمة والعرق وضيق التنفس والشتائم من داخل الشبابيك الموصدة كما هي منذ خمس سنوات .. وإذ برجل يخرج غاضباً ربما لأنه لم يستطع الوصول ( لحلف اليمين ) وهو يشتكي ويسب ويلعن ويلهث حتى يكاد يغمى عليه .. فأخذت – لوجه الله تعالى – أهديء من روعه وأهون عليه قائلاً :
- ( وسّع بالك .. كل شي مع الصحة والعافية ساهل .. خوذ أنفاسك هي لوّلة .. إحمد الله اللي ما زلت تتنفس ياراجل !!؟؟ ) ..
هناك تعليق واحد:
مازل نفس الاسلوب و نفس العبق والاجادة في الكابة مقرونة بابداع البساطة نسال الله لك التوفيق
إرسال تعليق