الاثنين، 8 نوفمبر 2010

الإسم الرباعي .. خواطر متداخلة .

ريـــــاض عبــدالله مــحــمـد صــالـــح


بقلم / عبدالله الشلماني
بالأمس كنت ألاعب طفلي الأول (رياض) والذي لم يبلغ الشهر الثالث من عمره بعد .. أناغيه وأضاحكه وأحتضنه وألثمه .. ولست أدري كيف تداعت في أثناء ذلك إلى مخيلتي خواطر كثيرة ، تداخل بعضها في بعض بشكل تسلسلي ، فكانت نتيجة ذلك كله أنني كتبت هذه " التدوينة " المتواضعة .. نظرت إلى رياض ثم إلى نفسي وقلت :
- ( رياض عبدالله ) .. صورتان ماثلتان لشخصين ينتمي أولهما إلى ثانيهما ..
تذكرت على الفور صورة أبي رحمة الله عليه .. ثم صورة جدي رحمة الله عليه ، والذي لم أر منه سوى صورته حيث توفي قبل ولادتي بثلاث سنوات .. ذهبت الخواطر إلى أبعد من ذلك .. تساءلت :
- ماذا لو امتلكت صوراً بعدد أجدادي واحداً تلو الآخر ؟ أو بالأحرى واحداً قبل الآخر ؟ .. حتى أصل إلى أبينا آدم عليه السلام .. أبو البشر جميعاً .. ترى كم من الصور يجب أن يكون بحوزتي حتى أصل إلى آدم عليه السلام ؟ خمسون ؟ سبعون ؟ مائة ؟ مائتان ؟ لست أدري ..
خطر ببالي حينها سؤال رائع .. أعني أن ما أوصلني إليه ذلك السؤال كان رائعاً .. قلت :
- لو أنني التقيت صينياً أو ألمانياً أو سينيغالياً أو أميريكياً أو حتى إسرائيلياً .. في أية صورة من طابور الصور التي بحوزتي – أو التي تخيلت أنها بحوزتي – يمكن أن نجتمع أنا وهو ، فيلتئم نسبي بنسبه من صاحب تلك الصورة فصاعداً إلى آدم عليه السلام ؟ وبالمناسبة .. فأنا أعرف على وجه اليقين صاحب الصورة التي أجتمع فيها أنا والإسرائيلي فصاعداً إلى آدم .. إنه إبراهيم عليه السلام .. وفوراً تذكرت فلسطين وغزة والجولان .. ابتسمت ابتسامة المحبط متسائلاً ومتعجباً :
- يالها من صلة رحم متينة تلك التي نلقاها على أيدي بني عمومتنا ..
لكن ذلك لا يلغي أنني والبشر جميعاً إخوة في النسب .. أقارب .. أسرة واحدة .. إن ما بيني وبينهم من الرحم والقرابة لا يختلف في شئ عما بيني وبين ( رياض ) إلا في عدد الصور التي تفصل بيني أنا وأي واحد منهم وبين صاحب صورة يلتئم نسبنا عنده .. إذاً كيف يقتل بعضنا بعضاً ؟ لماذا نرى سكان شمال الكرة الأرضية أكثر ثراءً على حساب سكان جنوبها ؟ لم يعتبر الإسرائيليون أنفسهم شعب الله المختار دون غيرهم ؟ لم يتجبر الحاكم على المحكوم ؟ ويسحق القوي الضعيف ؟
المهم .. يبدو من الواضح أن الأسئلة في هذا الإتجاه لن يكون لها آخر .. والمهم ايضاً أنني ورياض على الأقل لازلنا نحب بعضنا .. إنه امتدادي في هذا العالم .. وأنا امتداد أبي وجدي .. أنا همزة الوصل بين رياض وبين محمد صالح .. خلقنا الله من هذا التراب وإليه سوف نعود .. مات جدي .. ومات أبي .. وسأموت أنا ورياض .. وكل ما سيبقى من أي واحد فينا هو فقط عمله الصالح .. بصمته الخيّرة على هذه الأرض .. وليس أي شئ آخر .. وأخيراً أفقت من هذه الخواطر منتبهاً إلى أن طفلي رياض لم يعد يتحرك في حجري .. رياض ! يا رياض !! هل نمت يا رياض !؟ لقد نام حبيبي رياض في حجري ..
إلى اللقاء ..

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

مذكرات راقد ريح


( الشبشب ) الذي قصم ظهر البعير
بقلم / عبدالله الشلماني ..
يقال في أحد أمثال العرب أن بعيراً حُمل من الأثقال التي تزن مئات ( الكيلوغرامات ) على ظهره مالم يعد قادراً معه على حمل أي شيءٍ ولو ( ملليغراماً ) واحداً .. وبالفعل ، فقد انهار البعير وتهاوى إلى الأرض ، عندما أضاف صاحبه " قشةً " واحدة على الأثقال التي يحملها ، معتقداً أن قشةً صغيرةً لن تؤثر في جملٍ عملاق ، وغافلاً عن أن هذه "القشة" – على تفاهة وزنها قياساً إلى الأثقال – هي التي ستقصم ظهر البعير .. وصار الناس بعد هذه القصة يمثلون للأمر التافه عندما تتم المبالغة في ردة الفعل حياله ، وتحديداً حين انتفاء امكانية تحمل المزيد ، بأنه : ( القشة التي قصمت ظهر البعير ) ..
ما دفع بي إلى سرد قصة هذا المثل هو أن ظهري أنا أيضاً قد انقصم .. ليس نتيجةً لقشة أضيفت إلى ما أحمله عليه .. وإنما نتيجة لشبشب (حذاء) سرق مني عند باب المسجد حين خروجي منه بعد الصلاة .. فكانت ردة الفعل حيال ضياعه مني لا تتناسب مع قيمة الدينار والنصف التي هي ثمنه لو كان جديداً ، فما بالك وعمر الشبشب الذي أعنيه يتجاوز يوم أن ضاع مني الثلاثة أعوام .. لابد وأنكم الآن ترغبون في معرفة حكايتي .. حسناً .. إذاً فإليكم التفاصيل من البداية :
المصلون يخرجون من الباب تباعاً بعد انقضاء الصلاة .. شفاههم تتمتم بأدعية الخروج من المسجد .. أغلبهم يهمسون قائلين :
- " الحمد لله الذي هدانا لهذا " ..
أغلب الوجوه تبدو عليها السكينة والراحة النفسية عقب مناجاة الخالق سبحانه .. وكذلك كنت أنا عند خروجي معهم ووقوفي في طابور الزحام على الأحذية عند الباب .. أتمتم معهم مسبلاً أجفاني بطمأنينة ، ومحاولاً نسيان وتجاوز الهموم التي انهالت على رأسي منذ صحوت عند الصباح هامساً :
- " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " ..
لكن سرعان ما انقلب الأمر بالنسبة لي إلى العكس تماماً .. من الطمأنينة التي حاولت اصطناعها إلى نوبة غضب عارمة .. الجميع يأخذون أحذيتهم الأول فالأول وينصرفون ما عداي أنا ، فقد ظللت "أنقب" في كومة الأحذية عند الباب مجتهداً في الكشف عن "الشبشب" البلاستيكي المهتريء الذي كنت أنتعله عند دخولي المسجد ، دون جدوى .. أفتش مرة ثانية وثالثة وعاشرة .. لاجدوى .. شككت في كوني دخلت من هذا الباب .. هرعت إلى الباب الآخر للمسجد من الجهة المقابلة ، لأواجه المصير ذاته .. أنقب "كالجربوع" في أكوام الأحذية والصنادل باحثاً عن كنزي الثمين .. لا فائدة .. الناس يرمقونني بنظرات تحمل معاني كثيرة .. لعل أحدها أنني "معتوه" .. هكذا بدت لي نظراتهم فزادني ذلك حنقاً على حنقي وغضباً إلى غضبي .. بدأت أزمجر والشرر يتطاير من عينيَّ كما لو أنني سمعت للتو نبأ احتلال المسجد الأقصى ! :
- الويل لمن سرق "الشبشب" .. قليل الأدب .. عديم التربية .. ليظهر نفسه فقط ثم لينظر ماذا سيحل به على يديَّ هاتين .. " والله نعطبها على خشمه " .
الناس يتجمَّعون من حولي وينظرون إليَّ بشفقة واضحة .. ربما اعتقدوا أن حذائي المفقود هو من تلك الأنواع الفاخرة التي تصنع من جلود النمور والتماسيح ، والتي تبلغ أثمانها مئات الدولارات .. كثرة الجمهور من حول المرء ربما أعطته الدافع أحياناً للمزيد من استعراض القدرات الخطابية .. شعرت لوهلة أنني أحتاج لتنفيس شحنة المرارة المتراكمة عندي منذ الصباح ، أكثر من كوني غاضب لأجل ضياع الشبشب .. أخذ الدم يغلي في عروقي والغيظ يتصاعد إلى رأسي .. مما حدا بي لإلقاء المزيد من العبارات والتصريحات النارية قائلاً لمن حولي :
- أنتم جميعاً تشتركون في "كارثة" ضياع الشبشب .. لاتنظروا إليَّ هكذا .. أجل .. كلكم مذنبون .. هذا هو الشعب الليبي .. السلبية والسلبية فقط هي كل ما يجيد فعله حيال قضايا السلب والنهب المنظم لمقدرات الدولة والمجتمع .. الذي يفرط في "شبشب" سيفرط في ما هو أكبر .. لكن الكلام مع أمثالكم عبث لا طائل من ورائه إلا اللهاث والعطش وجفاف الحلق .. هل أنتم أناس تستحقون أن تعيشوا على هذا الكوكب؟.. أشك في ذلك .. هذا اللص اللعين الذي سرق الشبشب هو مواطن اعتدى عل حقوق مواطن آخر .. إنه غياب القانون .. نعم غياب القانووووووون .. يا ناس .. ياااااااااااعالم .. تعلموا من أمم الأرض الأخرى كيف يكون التعامل باحترام مع حقوق الآخرين ..
في أثناء هذا الخطاب الساخن نمى إلى مسامعي بعض همهمات مكبوتة ، كانت عبارة عن ضحكات حاول أصحابها كتمانها لئلا أسمعهم .. متسائلين عن العلاقة بين الشبشب وبين ما يسمعون .. لم أعرهم اهتماماً .. تجاهلتهم .. على المرء إذا أراد أن يحقق هدفاً ألا ينتبه إلى التوافه من الشواغل .. استأنفت الخطاب من جديد ، محاولاً بيان رأيي فيما يحدث على الساحة الدولية من تجاذبات سياسية حول قضايا حرية التنقل والعمل والتملك .. ولا أدري حتى الآن ما علاقة ذلك بالشبشب الذي ضاع ، استأنفت الخطاب لمن حولي صارخاً :
- أيها الناس ..!!
أحد ما خلفي يجذبني من طرف سترتي فأحاول التملص منه ، معتقداً أنه يريد إجهاض انطلاقتي .. لأستأنف الخطاب :
- أيها الليبيون !!
يجذبني نفس الشخص ثانية بقوة هذه المرة .. وعندما استدرت نحوه ، فإذا به رجل عجوز تبدو على ملامحه أمارات الخوف والإعتذار ، وهو يحمل الشبشب الذي أشعل عندي فتيل هذه الثورة العارمة من الغضب .. ليقول لي :
- سامحني يا أستاذ .. أردت الوضوء ولم أجد نعلا بلاستيكياً سوى هذا ..!!
تسمَّرت قدماي بالأرض خجلاً ..في حين أخذ الناس ينفضون من حولي مرددين "لاحول ولا قوة إلا بالله" .. وكان من بين ما سمعته عند انصرافهم من التعليقات :
- " شوف هالنهار اللي دايره في روحه .. علشان دينار ونص .. أنعن مرض ! " ..
أطرقت برأسي متأملاً .. لم يعرف هؤلاء المساكين أنني أزمجر ليس لأجل الشبشب ذي الدينار والنصف .. بقدر ما أفعل ذلك لأجل مايزيد عن خمسة آلاف دينار حرمتني وأمي من الذهاب للحج ، فقد علمت هذا الصباح أن الدولة فرضتها قسراً على من أراد الحج هذا العام ..!؟

السبت، 16 أكتوبر 2010

لنتسامح .. لنسمو .. ( دعوة إلى الحب ) ..


بقلم / عبدالله الشلماني ..
من قلبٍ محبٍ صادق إلى قلوب إخوةٍ وأخواتٍ لهم في في ذلك القلب المكانة والمنزلة التي لا يعلم علوَّها وسموَّها إلا الله ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، ثم أما بعد : فإنني أتوجه أنا العبد الفقير كاتب هذه الكلمات ومنضد هذه السطور المتواضعة ، إلى قلوبكم الصافية النقية قبل آذانكم وأسماعكم ، وإلى عواطفكم ومشاعركم وأحاسيسكم الرقيقة والعذبة ، قبل عقولكم وتفكيركم واتجاهاتكم وقتاعاتكم ..باسم خفقات الفرح في وجدانكم عند أوبة غائبٍ لكم من سفرٍ بعيد ،وباسم ضحكات البراءة المشرقة على شفاه أطفالكم عند ارتدائهم في صباح العيد للحلل الجديدة .وباسم ما تبوح به نظراتكم من آلاف الكلمات والقصائد والمعاني عند لحظات الصفاء والحميمية والوجد ، بينكم وبين من تألفون من الأحباب والإخوان .أتوجه إليكم باسم كل دعوة خيرٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ تصدر من أعماق روح أمٍ حنونٍ أو أبٍ شفيق . وكل همسة ودٍ تشي بها ابتسامةٌ لكم في وجه إنسان لا تبتغون من وراء حبه ووصله إلا رضا الله رب العالمين ..باسم كل نفحةِ عطرٍ من زهرةٍ زرعتموها في أفنية بيوتكم العامرة بالحب والخير وتقوى اللطيف الرؤوف سبحانه ، بيوتكم المؤمنة الدافئة الرائعة ، التي ضربت للعالم عبر العصور والأزمنة - عندما كنا ( ذات يوم ) خير أمة أخرجت للناس - الأمثلة العليا والراقية في التسامح والتعاضد والتكاتف والحب والإخاء عند كل النوازل وفي مختلف الظروف ..أتوجه إليكم وأدعوكم باسم كل ما ذكرت من المعاني وباسم كل ما لم أذكر ، أن تتخذوا يا أحبتي من الغد الآتي نقطة بدايةٍ تغيرون ابتداءً منها حياتكم إلى الأفضل والأنقى والأروع . أن تنبذوا ما كان قد شجر بينكم من خلافات كان سببها الشيطان الرجيم ، وترموها وراء ظهوركم .. أن تجعلوا من التسامح وطهر النوايا شعار أيامنا القادمة .. ومن الإبتسامة عنوان مستقبل العلاقات بيننا وبين من كنا معهم على خلافٍ وشقاق .. ولنتذكر قول سيد الكائنات بأبي هو وأمي ، عندما وقف أمام من عذبوه وآذوه وظلموه وأخرجوه ، فسألهم : ما تظنون أني فاعلٌ بكم ؟ ثم تركها كلمةً من بعده بها يهتدي بنو ( الإنسان ) إلى منابع الطهر والنقاء والصفاء , قائلاً عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم : ( إذهبوا فأنتم الطلقاء ) .. قولوها لكل من أساء إليكم يا أحبتي .. قولوا : إذهب فقد صفحنا وعفونا وغفرنا ..

الأحد، 23 مايو 2010

من أزمات الخطاب الإسلامي المعاصر



بقلم / عبدالله الشلماني ..
إنه مما يبعث على السرور والإنشراح ذلك الإنتعاش الذي شهده الإعلام الإسلامي على صعيد الفضائيات المرئية العربية وذلك على مدى السنوات القلائل الأخيرة . لأنه ربما قد يمثل دليلاً ملموساً على انتشار الصحوة الدينية – إن جاز التعبير – بين أوساط الأمة على مختلف أطيافها ، مما أدى بالنتيجة إلى انعكاسها على الإعلام ذاته . غير أن تلك الفضائيات والمنابر الإعلامية الإسلامية أو ذات التوجه الإسلامي بمعنى أدق ، لاتزال تعاني من قصور واضح يعتري آليات عملها وما تنتهجه من سياسات ومن خطاب . ومن غير المعروف ما إذا كان ذلك بسبب قلة الخبرة الناتجة عن حداثة العهد بالعمل الإعلامي الإسلامي ، أم بسبب غياب الإختصاص عند القائمين على تلك المنابر ، أم أن ذلك القصور ناتج عن أسباب أخرى نجهلها من غير المستبعد أن تكون أيدٍ خفيةً ومنطلقةً من نوايا مبيتةٍ هي التي تقف وراءها . ولكي نفلت من فخ الحديث في العموميات ولكي نكون أكثر عمليةً وواقعيةً في طرحنا ، سوف نسوق مثالاً بسيطاً يميط اللثام عما أردنا أن نشير إليه من خلل في تلك الفضائيات الإسلامية ، ألا وهو : (( عدم مراعاة الفوارق في الثقافة والتكوين المعرفي والعلمي والقدرات والملكات الفردية والشخصية بين جمهور المتلقين من المشاهدين )) . وذلك عندما يظهر على شاشة ( س ) أو ( ص ) الفضائية الإسلامية برنامج حواري هو أشبه بمناظرة علمية متخصصة - على غرار ما كان معمولاً به في القرون الأولى من عصر الإسلام ، حينما كان علماء الأمة ينهضون للذود عن صحيح الدين ، عند بداية ظهور الفرق والنحل والجماعات وانتشار الضلالات – فنرى على تلك الفضائية الإسلامية عدداً من العلماء أو الدعاة أو المثقفين ، يتناولون موضوعاً خلافياً شائكاً ومعقداً تختلف فيه وجهات النظر وتتباين فيه آراء العلماء والفقهاء تبايناً حاداً ويكتسي طابعاً ذا حساسية مفرطة . مثل الخوض في موضوع ( التشيُّع ) عند الشيعة ، أو مثل موضوع ( العلاج بالقرآن الكريم ) فيما يتعلق بالسحر والمس وغيره ، أو مثل موضوع ( التصوف ) ومدارسه ومشائخه وطرقه ، أو ما شابه ذلك . وهنا يجدر بنا التنويه إلى أننا لاننكر أهمية ما يتم تناوله , خصوصاً إذا ما تم التطرق إلى أوجه الزيف والبطلان والغلو والمبالغة في أيٍ مما ذكر من مواضيع . ولكن مبعث الإعتراض ، هو أن يتم التركيز على السلبيات وتسليط الأضواء عليها دون ذكر المزايا والإيجابيات ، إنطلاقاً من تصور مسبق مفاده أن المشاهد أو المتلقي هو على دراية كافية وثقافة رصينة تؤهله لأن يميز بين الغث والسمين ، وبأنه ليس هناك داعٍ لتناول الإيجابيات التي لاشك بأن المشاهد أو المتلقي يعرفها – من وجهة نظرهم طبعاً - بقدر ما هناك داعٍ للتطرق إلى السلبيات التي يتوجب عليه الحذر منها . وهذا ولاشك ، زللٌ خطيرٌ وخطاٌ فادحٌ وكبير ، تقع فيه الفضائيات الإسلامية ، عندما تعالج تلك القضايا المهمة والساخنة بهذه السطحية واللامهنية ، ومكمن الزلل والخطورة في ذلك هو أنه ليس كل مشاهدٍ يمكن اعتباره مثقفاً أو متعلماً أويستطيع التمييز ، أو لايتأثر سلباً بالتركيز على كشف العيوب دون ذكر المميزات ، وخاصةً في دولنا العربية والإسلامية التي لاتزال الأمية ضاربةً أطنابـها في قطاعات واسعة من مجتمعاتها .
أذكر أنه منذ فترة ليست بالطويلة ظهر على إحدى الفضائيات ذات التوجه الإسلامي برنامجٌ على شاكلة ما ذكرنا ، يضع ( التصوف ) على طاولة الدرس والتشريح ، وصادف أن المتحدث باسم التصوف كان ضعيف الخطاب ظاهر العجز ، على العكس ممن يناظره . حيث كان الآخرُ مفوهاً ذا فصاحةٍ وبيان . فطفق ذاك الذي ينتقد التصوف يركز على فضح ضلالات الجهلاء ممن ينتسبون إلى التصوفِ . وذلك بعرض مخالفاتهم الشرعية وتصرفاتهم البدعية التي لاتمت للكتاب ولا للسنة بصلةٍ من الصلات . مما دفع بالمتحدث باسم التصوف لأن يقف موقف الدفاع ودرء التهم ، تماماً مثل أي شخصٍ يقف متلقياً الضربات والصفعات المنهالة عليه من كل الجهات ، وهو لايدري من أين ستأتيه الصفعة التالية ، إلى الدرجة التي يكاد يخرج معها من يشاهد المناظرة ، بفكرة مؤداها سوء وفساد منهج التصوف بالكلية . وهذا لعمري ظلم لمنهج التصوف - كما هو ظلم لغيره مما يطرح على هذا النحو من موضوعات – ما بعده ظلم . باعتبار أنه ليس من المنهجية العلمية أن تناقش الأمور والقضايا الحساسة بهذا التعميم والشمول لمجرد إمعان الطعن في الفكر الصوفي الصحيح الذي يرتكز - وفق ما ذهب إليه سلف الأمة – على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والذي يضرب عرض الحائط بكل ما خالفهما وناقض أحكامهما ، كمثل ما درج عليه السلف من أمثال ( الجنيد و الحسن البصري و عبدالله بن المبارك وإبراهيم بن أدهم وأبي مسلم الخولاني ومالك بن دينار وأبي سليمان الداراني بل والصحابة والتابعون والأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم ) رحمهم الله تعالى جميعاً ، وغيرهم كثيرون ممن تبنوا مبدأ الزهد والتخفف من متاع الدنيا والإنصراف للعبادة والدعوة إلى الله رب العالمين سبحانه ..
مناط الظلم الذي ذكرنا لا يتعلق بمن هم على دراية واطلاع بما يتم تناوله مخافة أن يقعوا في لبس أو سوء فهم . وإنما يتعلق بأولـئك المتلقين من المشاهدين والمستمعين الأميين أو قليلي الإطلاع أو أنصاف المثقفين بالنظر إلى أنهم السواد الأعظم من الأمة مع كل أسف . ومن هنا ، ومن هذه النقطة بالذات , وقعت القناة الإسلامية في المحظور ، وأفسدت الأمور من حيث أرادت أن تصلحها . وبدلاً من إيضاح الحقيقة وتبيان تصرفات الغلاة والجهلاء وكشفها وتبرئة التصوف منها ، ساهمت القناة بطريقة مستترة وغير مباشرة , وبنية حسنة ( أو غير حسنة ) , في تجذير وترسيخ فكرة فساد معتقد عموم المتصوفة وانحراف منهجهم ..
وهذا أمر طالما حذر منه علماؤنا الكبار على مر العصور , حيث أوصوا بعدم الخوض في أمور قد لا يدركها العامة ، بل ربما سببت فيهم البلبلة والفتنة , في حين قد لا تستلزم فيه تلك الأمور كل هذه البلبلة , فيما لو اقتصرت مناقشتها بين أهل العلم وذوي الإختصاص . ولم يكن ذلك البرنامج سوى مجرد مثال عابر ، فمثله الكثير والكثير من البرامج التي تناولت خلاف ما تناوله ، ولكنها أدت إلى مثل ما أدى إليه . وإلا فمنهج الصوفية الحقيقيين رحمهم الله تعالى لم يكن يوماً بمعزلٍ عن الهجوم والإتهام ، ولاهو في الوقت ذاته بحاجة لمن هو مثلي لكي يدافع عنه . لأنه ببساطة منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، منهج كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
وأخيراً نقول بأن لكل حديث خلاصة . وخلاصة حديثنا أننا ننصح ونحذر أبناءنا وبناتنا من الشباب ، من قراءة أو سماع أو مشاهدة أو الإطلاع على أية ثقافات أو ديانات أو مذاهب أومدارس غريبة عنا ، ما لم يكن القاريء أو المشاهد أو المستمع ذا علمٍ كافٍ ومعرفة متينة بالأمر الذي هو بصدد مشاهدته أو الإطلاع عليه . خصوصاً فيما يتعلق بأمور العقيدة والتوحيد ، أو علم الكلام والفلسفة والماورائيات . كما أننا نتمنى من إخواننا القائمين على الصحافة والإعلام وعلى المواقع الألكترونية والقنوات الفضائية عامةً والإسلامية منها خاصة . أن يتفطنوا في مستقبل الأيام إلى ما نوهنا إليه .

الثلاثاء، 23 فبراير 2010

( موش قاعد ) بقلم / عبدالله الشلماني




( موش قاعد ) . لفظة طالما ترددت على أسماعنا كلما دخلنا على موظف من الموظفين لكي نتم معاملةً ما ، إلى الدرجة التي صرنا معها نستسيغ بكل بساطة هذه اللفظة دون أن تثير في ذواتنا أية انفعالات أو اعتراضات . وهي وللأسف الشديد - وإن كانت من حيث الشكل مجرد كلمة ليس إلا - تشكِّل مصطلحاً يختزل واقعاً متردياً وأزمة أخلاقٍ تعتصر قوام مجتمعنا النحيل أصلاً عن كل ما يدعو للتفاخر أو التباهي . وللأسف الشديد أيضاً أن مجتمعنا صار لا يجيد شيئاً مما قد يغير أو يصلح أو يرقى بهذا الواقع المتردي أكثر من مجرد الإنتقاد وتتبع مواطن الزلل وجلد الذات ، ولا أدلَّ على ذلك مما أفعله أنا الآن " كاتب هذه الأسطر " عندما أعجز عن كل شيءٍ سوى الكلام !. ( موش قاعد ) ، كم صفعت هذه الكلمة من مواطنٍ مسكينٍ ربما كان - أو كانت - عجوزاً بائساً جاء من مسافةٍ تتجاوز عشرات الكيلومترات وهو يلوِّح للسيارات أو يستأجرها في أحسن الأحوال ، لكي تحمله إلى حيث يفترض أن ينهي معاملته . ليفاجأ بأحدهم - أو إحداهن - وهو يسدد له هذه اللطمة وهو " متفقعص " بكل صفاقةٍ وصلف ؟. ( موش قاعد ) ، كم تحطم على أعتاب هذه الكلمة من حلمٍ لشابٍ مسحوق ، نهض منذ الساعات الأولى للصباح وهو يرنو لأن تكون خطواته المقبلة في اتجاه هذه الإدارة أو تلك فاتحة خيرٍ أو بارقة أملٍ لمستقبلٍ أفضل ؟. ( موش قاعد ) ، كم اطمأن لها من موظفٍ غائبٍ عن عمله وأمن من شر عقابها وعظم إثمها عند الله ، لمجرد أن رئيسه المباشر قد تواطأ معه وغض الطرف عن غيابه وتقصيره ، معتقداً أنه بذلك قد أفلت من المسؤولية أمام رب العالمين ؟. ( موش قاعد ) ، كم أثارت من تساؤل وأبكت من عينٍ وأضرمت من غيظٍ دار في خلد من سمعها وهو يخرج من ذلك المكتب هائماً على وجهه وهو يردد دعوةً ربما صادفت باباً مفتوحاً للسماء ليس بينها وبين الله حجاب قائلاً : " الله يخرب بيوتكم " ؟. فيا كل من قرأت هذه الكلمات وكنت على نحو ما فهمته منها ، تدارك نفسك قبل فوات الأوان ، فإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل وذلك حتى تطلع الشمس من مغربها . واعلم أنك راعٍ في عملك ومسؤول عن رعيتك . وأنك مؤتمن فيما استخلفك الله فيه من قضاء حوائج الناس ، فضع أمامك دوماً قول الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه جل وعلا : ( ياعبادي ، لقد حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً قلا تظالموا ) وأي ظلمٍ أشد من أن يفاجأ من شد إليك الرحال متجشماً الحر والصقيع والتعب والجوع لكي ينال حقه الذي استرعاك الله فيه فيقال له : ( موش قاعد ) ؟!!..

الجمعة، 22 يناير 2010

كاميرات تريد أن تطفيء نور الله


( بقلم / عبدالله الشلماني )

إنه مما يبعث على الفرح والسرور والبهجة ، هذه الظاهرة اللافتة من إنتشار القنوات المحتشمة ذات التوجهات التربوية والأخلاقية الملتزمة وصاحبة الفكر المعتدل الذي يتبنى الوسطية كأسلوب عملٍ وطريقة تفكير ومنهج حياة ، وإن كان في البعض منها من الهنات والقصور ما فيه ولكن يبقى القول أن عمل البشر لاينفك عن النقص ( والكمال لله وحده ) ، غير أنه من الملاحظ سواء في تلك القنوات أو في غيرها شيوع وانتشار المسلسلات التاريخية التي تتناول شخصيات الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين ،والقادة العظماء من المجاهدين الفاتحين المسلمين ، وعلماء وفقهاء ودعاة ومجددي ثقافة وفكر الأمة على مختلف حقب وعصور الدولة الإسلامية ، والإعتراض على تلك المسلسلات والتمثيليات والأفلام ليس تناولها للشخصيات مجرداً في حد ذاته ، بل على تصويرها وطرحها لشخصيات أولئك العظماء من رموز أمتنا على نحوٍ لايليق بمكانتهم ولا بعظمتهم ولا بما يمثلونه من مُثُلٍ وقيمٍ رمزيةٍ سامية في قلوب الناس ، من حيث إضافةِ تفاصيل وجزئيات مغلوطة عادةً ما يعزوها القائمون على صنع تلك المسلسلات للضرورة ( الدرامية ) !! ، كالتركيز على سبيل المثال على النواحي العاطفية والغرامية المبالغ في ميوعتها ووقاحتها وانعدام حشمتها وعفتها والتي ( يفبركها ) ويخترعها صانعو المسلسل لكي يضفوا - حسب زعمهم – شيئاً من الواقعية والنزعة الإنسانية البحتة والمجردة على حياة تلك الشخصيات والرموز ، وكأنهم لا يعلمون أنهم بذلك يطبعون صورةً مشوهةً وبشعةً في أذهان الناس عن تلك القامات السامقة من الصحابة والقادة والعلماء والأعلام . ويزعزعون ثقة المشاهد ويزلزلونها في تلك الشخصية الرمز لكي تهتز صورتها وتتضائل قيمتها المعنوية والدلالية في قرارة نفس المشاهد وعقله الباطن . من خلال إظهارهم للشخصية على هيئة الإنسان العادي أو حتى الأدنى مرتبةً من العادي ، عبر إبرازها في إطار اتباع النزوات والإلتفات إلى السفاسف والإنشغال بتوافه الأمور دون عظائمها ، وأنا على يقين راسخ بأن وراء هذه التوجهات الإعلامية من الدسائس والأيدي والنوايا السوداء الخفية ما ورائها ، على اعتبار أن أمتنا تواجه اليوم هجمةً شرسةً على كافة الأصعدة والميادين ، وليست الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أولها ولن تكون آخرها ، وربما سيقول البعض أن هذا الكلام هو تأثرٌ بنظرية المؤامرة وعقدة النقص والخوف من الآخر التي تصل إلى حد الوسواس ، لكنني أؤكد أن الأمر يتعدى ذلك بكثير ،وأن نظرية المؤامرة ورغم اعتراض البعض عليها وتبسيطهم لشأنها والإستهزاء بمن يقول بوجودها ،إلا أن ذلك لا يلغي أنها ماثلة للعيان بوجهها القبيح السافر ، الذي لا يخفى إلا على من يضع رأسه في الرمل كما يفعل النعام ،أو من يحاول في عبثٍ أن يخفي شعاع الشمس بالغربال في رابعة النهار ، لذلك علينا الحذر ياأعزائي في أي مكان تصل إليه هذه الكلمات ،من أن نتأثر سلباً بما تتركه في أذهاننا تلك المسلسلات التي تسيء لرسلنا أو لأئمتنا وعلمائنا وقادتنا ورموزنا من حيث تدري أو لا تدري وسواءً بسوء نيةٍ أو بحسنها ، وبما تترك في نفوس وذاكرة ووجدان أجيالنا الناشئة من آثار سلبية ومدمرة ، ومن تشويشٍ واضطرابٍ في المفاهيم والقناعات عن تلك الرموز ، وحبذا لو صرفنا النظر نحن وأبناؤنا عن مشاهدتها أصلاً إلا لمن أراد أن يتتبع مواطن الزلل والخلل فيها ليحذرها هو ويحذِّر منها غيره ، وأقول لمن يقوم على إنتاج وصنع تلك الدراميات المغرضة - إن وصل إليهم صوتي - ثوبوا إلى رشدكم ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ثوبوا إلى رشدكم ، يا من تريدون أن تطفئوا نور الله بأفواهكم وأقلامكم وعدسات كاميراتكم ، ويأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمنافقون والمندسون !!