الاثنين، 20 يونيو 2011

ومضات من تاريخ دولة الإستقلال



بقلم / عبدالله الشلماني ..
(الحلقة الأولى)

الكثيرون من جيل شبابنا الصاعد في ليبيا يجهلون بشكل يكاد يكون تاماً تاريخ دولة الإستقلال الليبية ، وذلك نتيجة للتجهيل المتعمد من قبل النظام الجائر . الذي اختزل تاريخ ليبيا في انقلاب 1969 وكأن ما قبله من الزمن لم يعرف شيئاً اسمه ليبيا . ونحن هنا لن نسرد تاريخ ليبيا الحبيبة منذ فجر ولادتها ، لأن في الكتب والمراجع ومناهج المدارس والجامعات ما يغني المهتم بهذه الحقب . لكننا سنركز على ولادة دولة ليبيا الحديثة الذي أعلن استقلالها في 24 ديسمبر 1951 ، بعد مخاض طويل من الجهاد العسكري والسياسي في أرض الوطن وفي المنافي .
كانت ليبيا تحت حكم الخلافة العثمانية في عهده الثاني والأخير الذي فصلت بينه وبين العهد العثماني الأول دولة القرمانليين شبه المستقلة والتابعة إسمياً فقط للباب العالي بالآستانة . وذلك عندما احتلت قوات إيطاليا شواطيء ليبيا سنة 1911 كما احتلت دواخلها بعد ذلك . ومع هذا الإحتلال بدأ الليبيون في عهد من الجهاد المشرف ، حيث سطروا بدمائهم ملاحم من البطولات والإقدام المنقطع النظير شهد لهم بها الأعداء قبل الأصدقاء . وبلغ السيل الزبى واشتدت قبضة الإيطاليين على جنود وقادة الجهاد الليبيين عندما انتهت حركة الجهاد المنظم بأسر وإعدام الشيخ عمر المختار والذي كان يقود حركة الجهاد وجبهات القتال المعروفة (بالأدوار) كوكيل ميداني عن السيد محمد إدريس المهدي السنوسي القائد الروحي لحركة الجهاد في برقة والذي كان يدير دفة القتال في الإقليم الشرقي من ليبيا والمعروف بـ ( برقة ) من منفاه الإجباري في مصر . حيث أعدم المختار في سبتمبر 1931 . كما توقف القتال المنظم في إقليم غرب ليبيا (طرابلس) في وقت مبكر مع احتلال مدن الدواخل . ولم يتبق في ليبيا سوى جيوب قتالية متفرقة هنا وهناك . كما هاجر معظم المجاهدين من الجنود والقادة إلى المنافي في مصر وتونس وفلسطين وسوريا وتركيا وغيرها لمواصلة الجهاد الدبلوماسي والسياسي .
وهنا تماماً وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 التي تحالفت فيها إيطاليا مع ألمانيا ضد الحلفاء والذين كانت من ضمنهم بريطانيا ، يستغل السيد إدريس السنوسي باني دولة ليبيا الحديثة بحنكته ودهائه السياسي النادر هذه التحالفات والظروف الدولية البالغة التعقيد لكي يعمل على تحرير ليبيا من المستعمر الإيطالي البغيض . حيث كانت بريطانيا تحتل مصر وقد هاجمها الألمان بالتعاون مع الإيطاليين ليستولوا منها على الأراضي المصرية ولتأمين منفذ قناة السويس الإستراتيجي والسيطرة عليه . فكان من الطبيعي أن تقاوم بريطانيا هذا الهجوم بهجمة عكسية ضد الإيطاليين والألمان في ليبيا ، وطلبت بريطانيا المساعدة من السيد إدريس السنوسي مع رفاقه الليبيين باعتبارهم أدرى بالطرق والمسالك ونقاط الضعف والقوة في الأراضي الليبية . فاشترط السيد إدريس – ملك ليبيا لاحقاً – على الإنجليز الحصول على تعهد رسمي بالإستقلال لقاء مساعدتهم في المهمة التي طلبوها . فحصل على تعهد رسمي معلن بهذا على لسان وزير خارجية بريطانيا (أنطوني إيدن) أمام مجلس العموم البريطاني ، والذي استغله إدريس السنوسي بعد ذلك في الضغط على بريطانيا والأسرة الدولية لنيل إستقلال ليبيا . وبالفعل يشكل السنوسي جيش ليبي من المجاهدين الليبيين المهاجرين إلى مصر عرف لاحقاً (بالجيش السنوسي ) أو (جيش التحرير) ، والذي كان النواة الأولى للجيش الليبي الحديث والحالي وذلك سنة 1941 بالقاهرة . وهو الجيش الذي كان له الفضل والنصيب الأكبر من أسباب اندحار ألمانيا وإيطاليا وتحرير ليبيا منهما وذلك بشهادة قادة وجنرالات الجيش البريطاني قبل غيرهم . وسنعرف في الحلقات القادمة كيف سارت الأحداث التاريخية حتى نالت ليبيا استقلالها في نهاية المطاف ..

الأربعاء، 15 يونيو 2011

مذكرات راقد ريح (سابق)

(تأملات في نهاية بوشفشوفة) بقلم / عبدالله الشلماني

إنها الرابعة والنصف فجراً .. ضوء الصباح يتسلل عبر شقوق النافذة الموصدة .. لكن الحجرة لا تزال معتمة .. صمت مطبق داخل البيت ماعدا صوت ساعة الحائط :
_ " طق ، طق ، طق ، طق .. " .
بدأت أتساءل فيما كنت مستلقياً في الفراش وقد جافاني النوم : ترى في مصلحة من تسير عقارب هذه الساعة ؟ هل في صالح القذافي المحاصر قي حفرةٍ ما من باب العزيزية ؟ .. أم في صالح حلف "الناتو" الذي يرمي مع كل ثانية تخطوها عقارب هذه الساعة صاروخاً بقيمة مليوني دولار ليضيفها إلى فاتورة الحساب التي سيسددها الليبيون ؟ .. أم أنها لصالح الليبيين الذين تتضاءل المسافات وتذوب الحساسيات بينهم كلما طال أمد المعركة ؟ .. وبعد مقارنة سريعة في مخيلتي وصلت إلى نتيجة بسيطة مفادها الآتي : بما أن معمر القذافي خارج المقارنة أصلاً لأن حركة سير عقارب الساعة هي في عكس مصلحته بكل تأكيد .. إذاً تبقى المقارنة محصورة بين "الناتو" والليبيين .. تنهدت هامساً بزهو :
_ "ياعيني عليك يابو الشلماني .. نشهد بالله انك محلل سياسي "دلعبي" .. صقع علي (عزمي بشارة) وصقع علي (السنوسي بسيكري) .. " .
في هذه الأثناء - ولست أدري لماذا - ذهب بي الخيال إلى استوديوهات (الجزيرة) و(العربية) .. وتخيلت نفسي جالساً بجوار (جمال ريان) أو (منتهى الرمحي) .. حيث أجيب بتحليل عسكري وسياسي معمق ومسهب عن أسئلتهما .. لكن "طقطقة" عقارب الساعة الحائطية أعادتني إلى الواقع من جديد .. وهنا تذكرت أنني لم أكمل المقارنة بعد بين مصلحة "الناتو" ومصلحة الليبيين في استمرار طقطقة الساعة .. رحت أفكر ملياً من جديد مردداً بيني وبين نفسي :
_ حسناً .. من مصلحة "الناتو" بكل بساطة أن ترتفع تكلفة فاتورة المعركة .. فكلما ازدادت طقطقات الساعة كلما ازداد "الناتو" في مكاسبه المادية والسياسية والعسكرية .. والحديث هنا طويل ومرير وذو شجون لو أردت الإسترسال .. "ماعلينا" .. أما الليبيون فمن مصلحتهم أيضاً – وكما يخفى على الكثيرين – أن تطول مدة حربهم مع هذا "المنجوه" .. حيث ينهار هرم سلطته من القاعدة باتجاه القمة التي يمثلها هو شخصياً .. فبسقوطه سيزول آخر أثر لنظامه الأسود بعد زوال كل الرموز والقيادات والمؤسسات والنظريات والمليشيات و و و الخ .. وبالتالي سينعم الليبيون باستلام ليبيا نظيفة ورائعة كالتي استلمها هو عند انقلابه المشؤوم في 1969 .. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقت أطول .. وذلك بعكس تونس ومصر اللتين سقط فيهما سريعاً رأس الهرم قبل زوال قاعدته العريضة من الرموز والقيادات وبالتالي لا يزال المصريون والتونسيون يكدحون وينصبون في سبيل إزالتها وكنسها ..
قررت النهوض من الفراش واتجهت حافياً إلى حيث الساعة الحائطية .. وقفت أمامها متأملاً فيما كانت يداي معقودتان خلف ظهري .. لم أستطع إخفاء الشعور بالإعجاب والخيلاء بتحليلاتي العسكرية و "الجيوسياسية" .. قلت في نفسي مجدداً :
_ كون أنني محلل سياسي "دلعبي" هذي ما تبيش اثنين يحكوا فيها .. لكن للأسف القنوات الفضائية ما يندروش عليَّ .
أمعنت النظر أكثر وأكثر في عقارب الساعة .. تساءلت :
_ ترى ماذا يفعل مجنون باب العزيزية الآن ؟ "زعمة يمشط في شفشوفته ؟ .. لا لا .. لو كان يمشط فيها راها مش هكي .. وبعدين ما ناقص عليه غير يمشط ! " ..
أتراه نائم ؟ .. والله ما أعتقد .. "النوم وين والقذافي وين" .. سبحان الله .. كم كان القذافي يتلذذ بطقطقات عقارب الساعة على مدى 42 سنة خلت .. لكن ليس منذ 17 فبراير فصاعداً .. وهنا تحديداً خطر ببالي تساؤل خطير تعجز عنه تحليلاتي لو أن (الجزيرة) أو (العربية) سألتني إياه .. التساؤل هو :
لو أن عقارب الساعة رجعت إلى الخلف حتى صباح 17 فبرابر ، وفُتحت في نفس الوقت أستار الغيوب أمام بصر هذا "المنجوه" ليرى ما سيحل به على أيدي الليبيين بعد هذا التاريخ ، ترى كم كان سيدفع من الأموال والتنازلات لقاء تفادي هذه النهاية الكارثية ؟! .. فكرت طويلاً .. لم أجد جواباً .. قلت في نفسي مهزوماً ومعترفاً بالعجز :
_ "هذي ما يجاوب عليها إلا (عزمي بشارة) أو (السنوسي بسيكري) " !!

الأحد، 5 يونيو 2011

مذكرات راقد ريح .. بقلم / عبدالله الشلماني



ملحوظة / قبل 17 فبراير 2011 نُشرت 8 حلقات من هذه السلسلة من المقالات الأدبية تحت اسم (مذكرات راقد ريح) .. وبعد 17 فبراير 2011 ها هي الحلقة الأولى من الجزء الثاني من نفس السلسلة لكن تحت عنوان : مذكرات راقد ريح (سابق) ..


الحلقة الأولى : حالة التصاق

دخلت إلى "المربوعة" متلهفاً لسماع الأخبار .. ولجت بسرعة عائداً من ساحة (الشهيد علي حسن الجابر) في مدينة المرج بعد الإنتهاء من وقفتنا الإحتجاجية اليومية على مجازر الطاغية وللمطالبة برحيله .. بعض شباب أسرتي سبقوني بالعودة من الساحة وجلسوا يشاهدون أخبار ( الجزيرة ) .. ألقيت التحية :
- السلام عليكم ..
- سلام ..
- مازال قاعد ؟
- ...............!
فهمت من صمتهم البليغ ومن ملامح وجوههم المتجهمة أنه (مازال قاعد) .. شهران يمران الآن وهو لا يزال "ساكن" ويتشبث بقوائم الكرسي .. رغم أننا نسحبه من رجليه عن الكرسي منذ شهرين .. اللعنة .. إنه ملتصق تماماً .. تنهدت مردداً بيني وبين نفسي :
- " الله يعطيه دعوة " ..
هذا (المخلوق) العجيب يستعصي على الفهم بالنسبة لي .. فهو إما يتلقى التعليمات لقتل الشعب الليبي الأعزل من خارج مجرة درب التبانة ، وذلك عن طريق الأطباق الطائرة كما في المسلسل الكرتوني (غريندايزر) متقمصاً دور (زوريل) ، وإما أنه ينتمي لعالم الجن والشياطين ويأتمر بأمرهم .. معقولة !؟ .. لا أعتقد أن ثمة إنساناً مهما كانت درجة غبائه يعجز عن فهم هذه المعادلة البسيطة .. شعب فوق أرضه يقول بأكمله لمن يحكمه وبصوت واحد : (إرحل) .. الإستجابة الطبيعية حتماً ودون عناء ولا تفكير هي الرحيل .. لا جدوى من التلكؤ .. و كان ينبغي بدل أن يكون هذا الرحيل مأساوياً وفضائحياً كما يحدث معه الآن ، أن يخرج بشيء من حفظ ماء (القفا) !؟ لأن وجهه لم يعد به ماء ولا حتى دم ..
المهم أنني جلست في حجرتي متأملاً في ملامح المشهد .. دارت في خلدي أشياء كثيرة .. وشردت بي الأفكار بعيداً .. من "المربوعة" كان يصل إليَّ صوت التلفاز خافتاً بعض الشيء .. لقد كان فاصلاً تبثه بعض القنوات الإخبارية بتهكم واضح لمقتطفاتٍ من خطابه المجنون .. أستطيع الآن تمييز صوته المتهدج وهو يزعق :
- " سأزحف آني والملايين لتحرير ليبيا بيت بيت .. دار دار .. زنقة زنقة .. شبر شبر .. فرد فرد " ..
وجدت نفسي أردد تلقائياً ولا إرادياً :
- "الله يعطيه دعوة .. دعوة زي الدعوة اللي مزقت كم كبوطه " ..
بدأت أفكر فيما يجب عمله .. فالواجبات الآن أكثر بكثير من الأوقات المتاحة لإنجازها .. هل أذهب لجبهة القتال ؟ .. لكنني لا أمتلك بندقية للأسف الشديد .. فحظي المنحوس كدأبه دائماً لم يتح لي أن أكون أحد مقتحمي مخازن الأسلحة لأحظى بواحدة ، ولا أنا أمتلك الثلاثة آلاف دينار ثمناً لها في ساحة بيع الخضار بالمرج حيث تباع بجوار الجرجير والفجل بدل التبرع بها للثوار !! .. ومجرد ذهابي إلى هناك بدون بندقية هو محض عبث .. يعني أنني سوف ألتهم ما يجلب للثوار من المؤن بدون فائدة .. عمالة زائدة .. وبما أنني بدون بندقية فمكاني بلا ريب هو الخطوط الخلفية حيث الطناجر وقدور الطبخ .. والإحتمال الأرجح بالتالي هو أنني سوف أموت بلا طائل إما بقذيفة قذافية – وما أجمل الجناس في "القذيفة القذافية" – وذلك عند إحدى خيانات الطابور الخامس ، وإما بقصف بطريق "الخطأ" من قبل طائرات (الناتو) .. يعني بالليبي الفصيح "في غوط باطل" .. ما العمل إذاً ؟ .. توصلت إلى قناعة تامة بضرورة البحث عن دور في الجبهة المدنية .. في الحراك السلمي للثورة .. وهذا الدور أستطيع القيام به بسهولة وبنجاح على ما أعتقد .. كيف لا ؟ التضحيات في العمل السلمي مهما عظمت فلن تبلغ عظمة التضحية بالروح .. لذا سأواصل التظاهر في ميدان الشهيد علي الجابر بالمرج .. وسأشارك في المظاهرات الحاشدة أمام محكمة بنغازي .. سأدعو عليه خلف الإمام في القنوت لكل صلاة .. سأذرف دموعاً وأنا أشيع جثمان كل شهيد ، أذيب فيها ألم فراقه في فرحة زفافه إلى الفردوس الأعلى .. هذا أقل ما يمكنني عمله .. لن أقعد عن المطالبة بحقوقي بعد اليوم .. نعم .. الطريق لإنهاء حالة الإلتصاق العجيبة هذه مضمخة بدماء آلاف الشهداء .. إنها طويلة .. لكننا سنسلكها إلى آخرها .. إلى باب العزيزية ..
يتبادر إلى مسامعي من "المربوعة" صوت التلفاز من جديد .. إنه يزعق هذه المرة :
- " أنا هنا ، أنا هنا ، أنا هنا . !! ؟؟ " ..
زعقت بدوري حانقاً ومجيباً :
- " جايينك ، جايينك ، جايينك .. " ..