الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

مذكرات راقد ريح


( الشبشب ) الذي قصم ظهر البعير
بقلم / عبدالله الشلماني ..
يقال في أحد أمثال العرب أن بعيراً حُمل من الأثقال التي تزن مئات ( الكيلوغرامات ) على ظهره مالم يعد قادراً معه على حمل أي شيءٍ ولو ( ملليغراماً ) واحداً .. وبالفعل ، فقد انهار البعير وتهاوى إلى الأرض ، عندما أضاف صاحبه " قشةً " واحدة على الأثقال التي يحملها ، معتقداً أن قشةً صغيرةً لن تؤثر في جملٍ عملاق ، وغافلاً عن أن هذه "القشة" – على تفاهة وزنها قياساً إلى الأثقال – هي التي ستقصم ظهر البعير .. وصار الناس بعد هذه القصة يمثلون للأمر التافه عندما تتم المبالغة في ردة الفعل حياله ، وتحديداً حين انتفاء امكانية تحمل المزيد ، بأنه : ( القشة التي قصمت ظهر البعير ) ..
ما دفع بي إلى سرد قصة هذا المثل هو أن ظهري أنا أيضاً قد انقصم .. ليس نتيجةً لقشة أضيفت إلى ما أحمله عليه .. وإنما نتيجة لشبشب (حذاء) سرق مني عند باب المسجد حين خروجي منه بعد الصلاة .. فكانت ردة الفعل حيال ضياعه مني لا تتناسب مع قيمة الدينار والنصف التي هي ثمنه لو كان جديداً ، فما بالك وعمر الشبشب الذي أعنيه يتجاوز يوم أن ضاع مني الثلاثة أعوام .. لابد وأنكم الآن ترغبون في معرفة حكايتي .. حسناً .. إذاً فإليكم التفاصيل من البداية :
المصلون يخرجون من الباب تباعاً بعد انقضاء الصلاة .. شفاههم تتمتم بأدعية الخروج من المسجد .. أغلبهم يهمسون قائلين :
- " الحمد لله الذي هدانا لهذا " ..
أغلب الوجوه تبدو عليها السكينة والراحة النفسية عقب مناجاة الخالق سبحانه .. وكذلك كنت أنا عند خروجي معهم ووقوفي في طابور الزحام على الأحذية عند الباب .. أتمتم معهم مسبلاً أجفاني بطمأنينة ، ومحاولاً نسيان وتجاوز الهموم التي انهالت على رأسي منذ صحوت عند الصباح هامساً :
- " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " ..
لكن سرعان ما انقلب الأمر بالنسبة لي إلى العكس تماماً .. من الطمأنينة التي حاولت اصطناعها إلى نوبة غضب عارمة .. الجميع يأخذون أحذيتهم الأول فالأول وينصرفون ما عداي أنا ، فقد ظللت "أنقب" في كومة الأحذية عند الباب مجتهداً في الكشف عن "الشبشب" البلاستيكي المهتريء الذي كنت أنتعله عند دخولي المسجد ، دون جدوى .. أفتش مرة ثانية وثالثة وعاشرة .. لاجدوى .. شككت في كوني دخلت من هذا الباب .. هرعت إلى الباب الآخر للمسجد من الجهة المقابلة ، لأواجه المصير ذاته .. أنقب "كالجربوع" في أكوام الأحذية والصنادل باحثاً عن كنزي الثمين .. لا فائدة .. الناس يرمقونني بنظرات تحمل معاني كثيرة .. لعل أحدها أنني "معتوه" .. هكذا بدت لي نظراتهم فزادني ذلك حنقاً على حنقي وغضباً إلى غضبي .. بدأت أزمجر والشرر يتطاير من عينيَّ كما لو أنني سمعت للتو نبأ احتلال المسجد الأقصى ! :
- الويل لمن سرق "الشبشب" .. قليل الأدب .. عديم التربية .. ليظهر نفسه فقط ثم لينظر ماذا سيحل به على يديَّ هاتين .. " والله نعطبها على خشمه " .
الناس يتجمَّعون من حولي وينظرون إليَّ بشفقة واضحة .. ربما اعتقدوا أن حذائي المفقود هو من تلك الأنواع الفاخرة التي تصنع من جلود النمور والتماسيح ، والتي تبلغ أثمانها مئات الدولارات .. كثرة الجمهور من حول المرء ربما أعطته الدافع أحياناً للمزيد من استعراض القدرات الخطابية .. شعرت لوهلة أنني أحتاج لتنفيس شحنة المرارة المتراكمة عندي منذ الصباح ، أكثر من كوني غاضب لأجل ضياع الشبشب .. أخذ الدم يغلي في عروقي والغيظ يتصاعد إلى رأسي .. مما حدا بي لإلقاء المزيد من العبارات والتصريحات النارية قائلاً لمن حولي :
- أنتم جميعاً تشتركون في "كارثة" ضياع الشبشب .. لاتنظروا إليَّ هكذا .. أجل .. كلكم مذنبون .. هذا هو الشعب الليبي .. السلبية والسلبية فقط هي كل ما يجيد فعله حيال قضايا السلب والنهب المنظم لمقدرات الدولة والمجتمع .. الذي يفرط في "شبشب" سيفرط في ما هو أكبر .. لكن الكلام مع أمثالكم عبث لا طائل من ورائه إلا اللهاث والعطش وجفاف الحلق .. هل أنتم أناس تستحقون أن تعيشوا على هذا الكوكب؟.. أشك في ذلك .. هذا اللص اللعين الذي سرق الشبشب هو مواطن اعتدى عل حقوق مواطن آخر .. إنه غياب القانون .. نعم غياب القانووووووون .. يا ناس .. ياااااااااااعالم .. تعلموا من أمم الأرض الأخرى كيف يكون التعامل باحترام مع حقوق الآخرين ..
في أثناء هذا الخطاب الساخن نمى إلى مسامعي بعض همهمات مكبوتة ، كانت عبارة عن ضحكات حاول أصحابها كتمانها لئلا أسمعهم .. متسائلين عن العلاقة بين الشبشب وبين ما يسمعون .. لم أعرهم اهتماماً .. تجاهلتهم .. على المرء إذا أراد أن يحقق هدفاً ألا ينتبه إلى التوافه من الشواغل .. استأنفت الخطاب من جديد ، محاولاً بيان رأيي فيما يحدث على الساحة الدولية من تجاذبات سياسية حول قضايا حرية التنقل والعمل والتملك .. ولا أدري حتى الآن ما علاقة ذلك بالشبشب الذي ضاع ، استأنفت الخطاب لمن حولي صارخاً :
- أيها الناس ..!!
أحد ما خلفي يجذبني من طرف سترتي فأحاول التملص منه ، معتقداً أنه يريد إجهاض انطلاقتي .. لأستأنف الخطاب :
- أيها الليبيون !!
يجذبني نفس الشخص ثانية بقوة هذه المرة .. وعندما استدرت نحوه ، فإذا به رجل عجوز تبدو على ملامحه أمارات الخوف والإعتذار ، وهو يحمل الشبشب الذي أشعل عندي فتيل هذه الثورة العارمة من الغضب .. ليقول لي :
- سامحني يا أستاذ .. أردت الوضوء ولم أجد نعلا بلاستيكياً سوى هذا ..!!
تسمَّرت قدماي بالأرض خجلاً ..في حين أخذ الناس ينفضون من حولي مرددين "لاحول ولا قوة إلا بالله" .. وكان من بين ما سمعته عند انصرافهم من التعليقات :
- " شوف هالنهار اللي دايره في روحه .. علشان دينار ونص .. أنعن مرض ! " ..
أطرقت برأسي متأملاً .. لم يعرف هؤلاء المساكين أنني أزمجر ليس لأجل الشبشب ذي الدينار والنصف .. بقدر ما أفعل ذلك لأجل مايزيد عن خمسة آلاف دينار حرمتني وأمي من الذهاب للحج ، فقد علمت هذا الصباح أن الدولة فرضتها قسراً على من أراد الحج هذا العام ..!؟

السبت، 16 أكتوبر 2010

لنتسامح .. لنسمو .. ( دعوة إلى الحب ) ..


بقلم / عبدالله الشلماني ..
من قلبٍ محبٍ صادق إلى قلوب إخوةٍ وأخواتٍ لهم في في ذلك القلب المكانة والمنزلة التي لا يعلم علوَّها وسموَّها إلا الله ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، ثم أما بعد : فإنني أتوجه أنا العبد الفقير كاتب هذه الكلمات ومنضد هذه السطور المتواضعة ، إلى قلوبكم الصافية النقية قبل آذانكم وأسماعكم ، وإلى عواطفكم ومشاعركم وأحاسيسكم الرقيقة والعذبة ، قبل عقولكم وتفكيركم واتجاهاتكم وقتاعاتكم ..باسم خفقات الفرح في وجدانكم عند أوبة غائبٍ لكم من سفرٍ بعيد ،وباسم ضحكات البراءة المشرقة على شفاه أطفالكم عند ارتدائهم في صباح العيد للحلل الجديدة .وباسم ما تبوح به نظراتكم من آلاف الكلمات والقصائد والمعاني عند لحظات الصفاء والحميمية والوجد ، بينكم وبين من تألفون من الأحباب والإخوان .أتوجه إليكم باسم كل دعوة خيرٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ تصدر من أعماق روح أمٍ حنونٍ أو أبٍ شفيق . وكل همسة ودٍ تشي بها ابتسامةٌ لكم في وجه إنسان لا تبتغون من وراء حبه ووصله إلا رضا الله رب العالمين ..باسم كل نفحةِ عطرٍ من زهرةٍ زرعتموها في أفنية بيوتكم العامرة بالحب والخير وتقوى اللطيف الرؤوف سبحانه ، بيوتكم المؤمنة الدافئة الرائعة ، التي ضربت للعالم عبر العصور والأزمنة - عندما كنا ( ذات يوم ) خير أمة أخرجت للناس - الأمثلة العليا والراقية في التسامح والتعاضد والتكاتف والحب والإخاء عند كل النوازل وفي مختلف الظروف ..أتوجه إليكم وأدعوكم باسم كل ما ذكرت من المعاني وباسم كل ما لم أذكر ، أن تتخذوا يا أحبتي من الغد الآتي نقطة بدايةٍ تغيرون ابتداءً منها حياتكم إلى الأفضل والأنقى والأروع . أن تنبذوا ما كان قد شجر بينكم من خلافات كان سببها الشيطان الرجيم ، وترموها وراء ظهوركم .. أن تجعلوا من التسامح وطهر النوايا شعار أيامنا القادمة .. ومن الإبتسامة عنوان مستقبل العلاقات بيننا وبين من كنا معهم على خلافٍ وشقاق .. ولنتذكر قول سيد الكائنات بأبي هو وأمي ، عندما وقف أمام من عذبوه وآذوه وظلموه وأخرجوه ، فسألهم : ما تظنون أني فاعلٌ بكم ؟ ثم تركها كلمةً من بعده بها يهتدي بنو ( الإنسان ) إلى منابع الطهر والنقاء والصفاء , قائلاً عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم : ( إذهبوا فأنتم الطلقاء ) .. قولوها لكل من أساء إليكم يا أحبتي .. قولوا : إذهب فقد صفحنا وعفونا وغفرنا ..