الخميس، 25 يونيو 2009

البطشة


( 1 )

الباب الخشبي موصدٌ ومقفل من الداخل .. المرفقان على سطح المنضدة .. فيما القبضتان معقودتان على جانبي الوجه كدعامتين للرأس المطرق .. وثقل الرأس على القبضتين أدى إلى شد طرفي الجفنين لأعلى ، حتى بدت عيناه مثل أعين الصينيين .. لاشيء يكسر صمت المكان ، خلا صوت المذياع يدندن خافتاً بأغنيةٍ قديمة ..

- لا يبدو العدو قريباً ..

قالها في نفسه ، وهو يحدق ساهماً في إحدى خرائط كتاب " مباديء الجغرافيا " الموضوع أمامه فيما كان يحاول المذاكرة .
بطريقةٍ لاإرادية ، وبحركةٍ آلية صرفة ، تناول المسطرة من مكانٍ ما على المنضدة ربما ، أو ربما تحتها لم ينتبه .. ثم تَمتمَ :

- حسناً .. نحن نقبع هنا .. والعدو يربض هناك ..

أخذ يقيس المسافة بين النقطتين .. بحسب مقياس الرسم أسفل الخريطة ، كانت تفصل بينه وبين العدو آلاف الأميال . تنفس بعمقٍ مستشعراً نوعاً من الأمن والطمأنينة .. راح يتأمل منبهراً كيف أن كل ملليمتر على هذه المسطرة الصغيرة، يمثل ما يعادل أضعافَ أضعافِ المسافة من (( البرَّاكة )) التي يقطنها إلى (( كاف العشَيْشِيَّة )) حيث يرعى الماعز كل يوم . وعند هذه اللحظة بالذات ، تذكَّر (( البطشة )) التي وجدها عند هذا العصر ملقاةً بين الأعشاب قرب الكاف . أخرجها من جيب سترته:

- هل يُعقل ..؟ أن المسافة من هنا إلى حيث وجدت هذه البطشة ، والتي أقطعها لاهثاً وراء القطيع على مدى أكثر من ساعتين كل يوم ، هي فقط هذه النقطة الدقيقة التي لاتكاد تُرى بالعين المجردة على المسطرة ..؟ لا عجب إذاً فيما أسمعهم يرددونه في المذياع من أن الكرة الأرضية قد أصبحت قريةً صغيرة ..!!؟

( 2 )

أخذ يُقلِّب البطشة بين أنامله متخيلاً أنها الكرة الأرضية . وراح يتخيل نفسه واقفاً عليها بذات النسبة الحقيقية بين حجم الإنسان والكوكب .. تأمل ملياً .. انشده .. هل يُعقل ..؟.. قرَّبها إلى وجهه محاولاً رؤية حجمه وهو واقف فوقها .. لم يرَ شيئاً .. قرَّبها أكثر .. احولّلت عيناه .. أخذه الفزع .. تلاحقت أنفاسه .. انتقع وجهه وهو يهمس :

- اللعنة .. كم هو عالمٌ صغير .. العدو ليس بعيداً إذاً .. نحن على البطشة ذاتها ..؟ .. ياساتر..

على الخريطة، رأى المسطرة وقد تحولت إلى جسرٍ عظيم ، يربط ما بين "البرّاكة" وعاصمة العدو . ورأى الدبابات تعتلي الجسر من جهة العاصمة اللعينة ، متجهةً إلى البرّاكة مصوبةً المدافع نحوها . أصواتها مرعبة .. الطائـرات كذلك أقلعت صـوب البرّاكة .. رصدها تقلع من إحدى القواعد على البطشة هذه المرة .. دوي الإنفجارات يزلزل أركان البراكة .. بيانات عاجلة عن وقوع غارات بدأت تصدر عن المذياع بدلاً من الموسيقى التي توقفت فجأة ، إضافةً إلى بيانات شجب واستنكار على لسان سكرتيرة فخامة الـ " ؟؟؟ " .. إلى أين سيهرب الآن .. ؟ انتصب واقفاً .. الزعيق والعويل يملآن المكان .. ماذا يفعل .. ؟ إنه مضطربٌ يشلُّه الخوف .. كيف سيدافع ؟ الحذاء .. أجل الحذاء .. (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) .. أمسك برقبة حذائه الموحل وجعل يدكُّ به البطشة .. ثم تردد :

- لا ذنب لستة مليارات من سكان الأرض فيما يقترفه العدو ، لأسحقهم بحذائي الموحل . سأسحق عاصمة العدو على الخريطة .. سأباغتهم من الخلف في عقر عاصمتهم بينما تزحف الدبابات والطائرات إلى هنا ..

بدأ يدك العاصمة بشراسة وعنف .. تطايرت الأشياء من فوق المنضدة .. اشتد الضجيج .. أزيز الطائرات وهدير الدبابات وصراخ الثكالى وأناشيد المذياع الحماسية ودعاء القنوت في المساجد .. استبد به الحماس .. واصل دك العاصمة ببسالة وهو يصيح :

- " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " .. الله أكبر .. الله أكبر .. " وليخسأ الخاسئون " ..

( 3 )

والده يصرخ خارجاً هو الآخر ، مزحزحاً الباب الموصد والمقفل من الداخل :
- أسكت .. أسكت ياابن الكلب .. هل هذا وقت مطاردة الفئران !؟ نريد أن ننام يا " بنادم " ..

هناك 5 تعليقات:

NuNa يقول...

السلام عليكم
الحمد الله على السلامه أستاذ عبد الله ... اتمن لك التوفيق ...
كالعادة تدوينه جميلة... و لكني احتاج الي بعض الوقت للأكمالها و تعليق عليها من جديد
شكرا

Eng.Ramez Enwesri يقول...

مرحبا بعودتك أخي عبدالله، وتمنياتي أن تكون وفقت في هذه الرحلة العلمية.

تحياتي

ناجي الزوي يقول...

هام وعاجل الاخ عبد الله الشلماني
نشر موقع ليبيا جيل هدا اليوم مقالا مسيئ للنبي صلي الله عليه وسلم وقد ارسلت الي ادارة الموقع رسالة طالبتهم فيها بالكف عن نشر المقالات التي تسئ الي النبي صلي الله عليه وسلم لكنهم لم يفعل شئيا ولم يحدفوا دلك المقال المغرض الدي يعرض استهزاء باحاديث صحيح البخاري ويقول الكاتب بانها كدب ودجل .. هده الاحاديث التي اجمعت الامة علي صحتها ،، فيقوم هدا الكاتب الحاقد علي الاسلام لتكديب شخص النبي عليه الصلاة والسلام ..


عليـــــــــــــــــــــه... اطلب منكم جميعا ايها الاعزاء ارسال رسالة احتجاجية لموقع ليبيا جيل علي نشر هدا المقال الخبيث الماكر المتحامل ضد الاسلام والمسلمين اخي المدون لا تترد في الدفاع عن دينك وارسل ولو رسالة من سطر واحد وستأجر بادن الله
عنوان موقع ليبيا جيل هو : info@jeel-libya.net




وعنوان المقال الخبيث : http://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=16225&section=13

Unknown يقول...

شركة الصفرات للتنظيف بالرياض
شركة تنظيف بالرياض

شركة الصفرات لتنظيف الفلل بالرياض

شركة الصفرات لتنظيف الشقق بالرياض

شركة الصفرات لتنظيف المنازل بالرياض

شركة تنظيف منازل بالرياض
شركة الصفرات لتنظيف الخزانات بالرياض

شركة الصفرات لتنظيف القصور بالرياض


شركة الصفرات لتنظيف المجالس بالرياض

Unknown يقول...

شركة الصفرات لتنظيف الموكيت بالرياض

شركة الصفرات لعزل الخزانات بالرياض

شركة الصفرات لرش المبيدات بالرياض

شركة الصفرات لمكافحة الحشرات بالرياض

شركة الصفرات لكشف التسربات المياه بالرياض

شركة عزل خزانات بالرياض

شركة الصفرات لنقل الاثاث بالرياض

شركة الصفرات لنقل العفش بالرياض